تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال ابن القيم رحمه الله: ثم تأمل الحكمة من طلوع الشمس على العالم كيف قدره العزيز العليم سبحانه فإنها لو كانت تطلع في موضع من السماء فتقف فيه ولا تعدوه لما وصل شعاعها إلى كثير من الجهات لأن ظل أحد جوانب كرة الأرض يحجبها عن الجانب الآخر وكان يكون الليل دائما سرمدا على من لم تطلع عليهم والنهار سرمدا على من هي طالعة عليهم فيفسد هؤلاء وهؤلاء، فاقتضت الحكمة الإلهية والعناية الربانية أن قدر طلوعها من أول النهار من المشرق فتشرق على ما قابلها من الأفق الغربي ثم لا تزال تدور وتغشى جهة بعد جهة حتى تنتهي إلى المغرب فتشرق على ما استتر عنها في أول النهار فيختلف عندهم الليل والنهار فتنتظم مصالحهم. انتهى

فلما تبين أنه يتم تعاقب الليل والنهار والأرض ثابتة وذلك بدوران الشمس عليها عكس نظرية الكشاف والكرة الدائرة. اجعل الكرة ثابته والضوء هو الذي يدور عليها تظهر لك الحقيقة.

* الثاني: تعاقب الفصول الأربعة:

يزعم الدهرية أن تعاقب الفصول الأربعة واختلافها إنما يحصل بدوران الأرض حول الشمس وليس كذلك. وإنما هو يحصل بدوران الشمس على الأرض مع اختلاف مطالعها ومغاربها كل يوم فيكون من نتائج ذلك تعامد أشعة الشمس وميلها الذي بسببه تتعاقب الفصول. فبما أن فلك الشمس عريض في السماء حيث هي تطلع كل يوم من مطلع وتغرب من مغرب فإنها حينما تكون فوق رؤوسنا تكون الأشعة عمودية فترتفع الحرارة وذلك في الصيف وعندما تميل في السماء تكون الأشعة مائلة ليست عمودية فتنخفض الحرارة وقت الشتاء أما في الربيع والخريف فبين ذلك.

وإذا أردت أن تعلم كيف أن الأشعة بتعامدها ترتفع الحرارة وبميلها تنخفض فانظر في صباح يوم من أيام الصيف في بداية طلوع الشمس أول النهار يبقى الوقت باردا لأن الأشعة مائلة منبسطة وما تزال ترتفع الحرارة بحسب تعامد الأشعة فكلما كانت متعامدة كلما ارتفعت حرارتها وكذلك في آخر النهار حيث تميل فتضعف حرارتها كوقت طلوعها.

ومن هنا يتبين أن الشمس في كل وقت وكل فصل لا تتغير حرارتها بذاتها لكن التغير الذي يحدث في الأرض بحسب مواقع الشمس من المكان فإذا كانت فوقه تعامدت أشعتها عليه وارتفعت حرارته وإذا كانت مائلة عنه جهة الجنوب أو الشمال انخفضت الحرارة لميل أشعتها عنه. ((ذلك تقدير العزيز العليم))

والشمس فوق الأرض دائما كما تكون فوق رؤوسنا وقت الظهيرة وغروبها المذكور في القرآن و كلام النبي صلى الله عليه وسلم نسبي فتغرب عن جهة وتكون طالعة على جهة أخرى فيكون الليل عندنا نهارا في مناطق أخرى والنهار عندنا ليلا عندهم كما هو معروف عند أهل الوقت ومشهور.

وإذا كان الحال هكذا وأن برودتها أول النهار وآخره نسبية أيضا وذلك لميل أشعتها كما أنها وسط النهار ترتفع حرارتها لتعامد الأشعة فبمعرفة هذا ينحل إشكال تعاقب الفصول الأربعة.

وحيث قد تبين ارتفاع الحرارة وانخفاضها يوميا وأن سببه تعامد الأشعة وميلها فكذلك تتغير الفصول الأربعة لكن التغير اليومي في الحرارة يحصل بتغير مواضع الشمس من المشرق إلى المغرب وأما في الفصول الأربعة فيحصل ذلك بتغير مواضع الشمس من الشمال إلى الجنوب وبالعكس لأنها كما سبق وذكرت ليس مجراها خطا واحدا في السماء لا تعدوه بل كل يوم تطلع من مطلع وتغرب من مغرب وقد ذكر الله اختلاف مطالع الشمس ومغاربها لتعاقب الفصول الأربعة في سياق تعداد نغعمه وآلائه على عباده فقال تعالى: ((رب المشرقين ورب المغربين)). قال ابن كثير رحمه الله: يعني مشرقي الصيف والشتاء، ومغربي الصيف والشتاء، وقال في الآية الأخرى: ((فلا أقسم برب المشارق والمغارب)) وذلك باختلاف مطالع الشمس وتنقلها في كل يوم وبروزها منه إلى الناس. وقال في الآية الأخرى: ((رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا)). وهذا المراد منه جنس المشارق والمغارب. ثم قال ابن كثير رحمه الله: ولما كان في اختلاف هذه المشارق والمغارب مصالح للخلق من الجن والإنس قال: ((فبأي آلاء ربكما تكذبان)). انتهى

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير