وفوقها ست سماوات كل واحدة محيطة بالتي في جوفها كإحاطة هذه السماء الدنيا بالأرض وفوق ذلك كرسي الرب عز وجل وعرشه والجنة. والعرش أكبر المخلوقات على الإطلاق فهذه السماوات العظيمة والأرضين الكبيرة في العرش كالقنديل المعلق بين السماء والأرض. والرب سبحانه فوق العرش ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
الوجود الذهني والخارجي
الذي لا نشك فيه أن القوم يتكلمون عن أشياء يتخيلونها ليس لها حقيقة ثابتة في الخارج. وفرق بين الوجود الذهني والخيالي التصوري والوجود الحقيقي العيني الخارجي.
فالإنسان يستطيع أن يتخيل جبالا من الذهب وبحارا من اللبن وغير ذلك من الخيال الذي لا حدود له ويتكلم في هذا وقد يرسم له صورا يثبتها كما هي في خياله مع أنه لا وجود لذلك ولا حقيقة كما فعل هؤلاء الملاحدة تماما في تخيلهم الكون كما نقلنا عنهم. والذي ذكرناه هنا كلام مختصر وإلا فبلاؤهم طويل وشرهم مستطير.
الكسوف والمطر وكروية الأرض
قد يقال: إنهم يخبرون بإخبارات صادقة مثل وقت الكسوف حيث أنه يقع كما أخبروا. ويخبرون عن كروية الأرض وقد تبين لنا أنها كما قالوا. كذلك اختلاف الليل والنهار في الأقاليم وأن المطر بخار يتصاعد من البحر فيتكثف في الهواء وينزل مطرا. فخبرهم عن دوران الأرض مثل ذلك.
فالجواب عن هذا: أن هذه المذكورات صحيحة وليس هم أول من قال بها فقد تكلم بها وأثبتها علماء الإسلام قبل وجود هؤلاء كشيخ الإسلام وابن القيم وغيرهم محررة في كتبهم يقررونها خشية من التباس الحق بالباطل كما وقع في وقتنا لأن المبطل لا يستطيع غالبا ترويج باطله إلا بشوب من الحق لأن الباطل المجرد مكشوف فلا بد من التغطية والتعمية. لكن نحن مأمورون بالتصديق بالحق والتكذيب بالباطل.
أما الكسوف فيعرف وقته بحساب سير الشمس والقمر وليس هو من علم الغيب.
والمتقدمون يضبطون وقته مع اعتقادهم ثبات الأرض ودوران الشمس حولها. وهؤلاء كذلك إنما يضبطونه على هذه الصفة والصورة. فقط أنهم يتخيلون دوران الأرض وثبات الشمس تخيلا لأن ضبط سير جسمين أحدهما ثابت والآخر يدور حوله بانتظام يتأتى ويتفق مع تخيل أن الدائر هو الثابت والثابت هو الدائر. مادام نظام السير والدوران ثابتا كما يقع لهؤلاء تماما وتكون النتيجة واحدة.
والتفصيل في هذه المذكورات ليس هذا مكانه وإنما نشير إلى أن التكذيب بالحق يصير سلما للتصديق بالباطل وهو اللبس المذموم.
وأما المطر فغاية ما عند من يذكر انه على هذه الصفة أن يستدل بما ورد من لفظ السماء ونزول المطر منها فيحمل هذا اللفظ على مفهوم أهل الوقت أنها السماء المبنية وقد تقدم بيان ذلك عند ذكر السماء.
وشبهة أخرى وهي كثرة الأمطار وإما تزول هذه الشبهة بمعرفة نسبة اليابس للماء وأنها حوالي الخمس فكيف تستكثر الأمطار والبحار في الأرض بهذه الصفة.
أما كروية الأرض فلا تنافي قوله تعالى: ((وإلى الأرض كيف سطحت)) لأن الجسم الكوري كلما كبر كلما خفي تكوره فيبدو للرائي كالسطح المستوي. ولأجل أن الأرض على هذه الصفة اختلف الليل والنهار في الأقاليم كما هو معروف.
فهذه المذكورات صحيحة قائمة عليها أدلة النقل والعقل أيضا، أما دوران الأرض فشيء آخر غير هذا كله. لا شك ولا ريب أنه من أبطل الباطل وأكذب الكذب.
أدلة الكتاب على ثبات الأرض
نذكر هنا بعض الادلة من القرآن غير ما تقدم:
قال تعالى: ((الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء)) الآية.
والقرار: هو السكون والثبات في لغة المخاطبين بالقرآن.
وقال تعالى: ((أمن جعل الأرض قرارا))
وقال تعالى: ((إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا)) الآية.
ومعلوم أنها لو دارت الأرض لزالت.
وقال تعالى: ((وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم))
وأدلة كثيرة غير هذه لم نذكرها للاختصار والذي لا يكتفي بهذا لا تزيده الإطالة إلا تماديا في الضلالة.
أدلة السنة على ثبات الأرض
روى الإمام أحمد والترمذي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لما خلق الله الأرض جعلت تميد فخلق الجبال فألقاها عليها فاستقرت)). تأمل قوله ((فاستقرت))
¥