وروى الطبراني حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((البيت المعمور في السماء يقال له الضراح وهو على مثل البيت الحرام بحياله لو سقط لسقط عليه، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يرونه قط وإن له في السماء حرمة على قدر حرمة مكة يعني في الأرض)). [/ COLOR]
وروى هذا الحديث الأزرقي في أخبار مكة. والشاهد فيه أن الأرض لو كانت تدور لتغير موضع البيت الحرام عن حيال البيت المعمور، فلو سقط لم يسقط عليه وهذا واضح.
وغير ما ذكرت أدلة تركناها خشية الإطالة.
الإجماع على ثبات الأرض
قال القرطبي في تفسيره عند قوله تعالى: ((وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا)) الآية.
قال: والذي عليه المسلمون وأهل الكتاب القول بوقوف الأرض وسكونها ومدها وأن حركتها إنما تكون في العادة بزلزلة تصيبها. إنتهى. فهذا إجماع المسلمين وأهل الكتاب على ثباتها.
وقال عبدالقادر الإسفرائيني في كتابه (الفَرْق بين الفِرَق): وأجمعوا - يعني أهل السنة - على وقوف الأرض وسكونها وأن حركتها إنما تكون بعارض يعرض لها من زلزلة ونحوها خلاف قول من زعم من الدهرية أن الأرض تهوي أبدا.
والآن ننظر في كلام قاله البعض حول دوران الأرض:
قال: دوران الأرض من الأمور التي لم يرد فيها نفي ولا إثبات لا في الكتاب ولا في السنة ثم ذكر أن بعض الناس يستدل على دورانها بقوله تعالى: ((وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم))، بأن قوله: ((أن تميد بكم)) يدل على أن للأرض حركة لولا هذه الرواسي لاضطربت بمن عليها.
ثم قال: وليس هذا بصريح في دورانها.
وقوله تعالى: ((الله الذي جعل لكم الأرض قرارا)) ليس بصريح في انتفاء دورانها لأنها إذا كانت محفوظة من الميدان في دورانها بما ألقى الله فيها من الرواسي صارت قرارا وإن كانت تدور.
الجواب أنه قد تقدم ذكر الأدلة من الكتاب والسنة على ثبات الارض وكذلك الإجماع.
أما قول من قال: للأرض حركة لولا هذه الرواسي لاضطربت بمن عليها مستدلا بقوله تعالى: ((وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم)) زاعما أن وظيفة الجبال حفظ الأرض من الميدان أثناء الدوران فهذا باطل والآية حجة عليه لا له، وسبق وبينت أنه ما احتج محتج بدليل من الكتاب أو السنة على دوران الأرض إلا بتأويل فاسد كهذا التأويل.
ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن الدليل الصحيح إذا بين معناه الصحيح أنه يدل على الحق لا يدل على الباطل.
وبما أن هذه الآية دليلا صحيحا فإنها تدل على ثبات الارض، لا على دورانها. والمحتج به قد عكس مدلوله وسوف أوضح ذلك ليزول اللبس.
الأرض كما هو معروف يابس وماء واليابس بالنسبة للماء قليل حوالي الخمس، والباقي كله هذه البحار. فهذا اليابس القليل خلقه الرب عز وجل على تيار الماء فهو يرتج ويضطرب لعدم استقراره لأن الماء محيط به من كل جانب، فهو كالسفينة في البحر ترتج وتضطرب وهي واقفة.
إذا لا بد من ثقل يسكن هذا الاضطراب والارتجاج لئلا يميد اليابس منها وليكن قرارا، يعني ثابتا في موضعه لتستقر عليه الكائنات، فلذلك خلق الحكيم هذه الجبال وألقاها عليها فاستقرت عن الميدان والاضطراب وسكنت وثبتت على تيار الماء كما تقلى الأثقال على السفينة ليسكن اضطرابها مع ما في الجبال من المنافع العظيمة والحكم الباهرة غير هذا.
قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا العوام بن حوشب عن سليمان بن أبي سليمان عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما خلق الله الأرض جعلت تميد فخلق الجبال فألقاها عليها فاستقرت. المراد بالأرض في هذا الحديث اليابس فقط لأنه هو الذي يميد وهو في الماء.
قال عبدالرزاق أنبأنا معمر عن قتادة سمعت الحسن يقول: لما خلقت الأرض كانت تميد فقالوا: ما هذه بمقرة على ظهرها أحدا. فأصبحوا وقد خلقت الجبال فلم تدر الملائكة مم خلقت الجبال.
فقد تبين الآن أن الآية قد قلب مدلولها وتؤولت على غير ما أراد بها من تكلم بها سبحانه.
¥