3.و أما قولهم: إن وصف إحدى يدي الله تعالى باليمين يدل على أن الأخرى ليست يمينا فتكون شمالا فقول صحيح لو لم يرد في النصوص ما يدل على أن كلتا يدي الله تعالى يمين. (35)
و لكن مما ينبغي التنبيه عليه هنا – مما له علاقة بهذه المسألة- أن صفات الله تعالى تتفاضل فبعضها أفضل من بعض، و لا يلزم من ذلك أن تكون الصفة المفضولة ناقصة أو معيبة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " و النصوص و الآثار في تفضيل كلام الله، بل و تفضيل بعض صفاته على بعض متعددة، و قول القائل: (صفات الله كلها فاضلة في غاية التمام و الكمال ليس فيها نقص) كلام صحيح، و لكن توهمه أنه إذا كان بعضها أفضل من بعض كان المفضول معيبا منقوصا خطأ منه، فإن النصوص تدل على أن بعض أسمائه أفضل من بعض، و لهذا يقال: دعا الله باسمه الأعظم، و تدل على أن بعض صفاته أفضل من بعض، و بعض أفعاله أفضل من بعض" (36)
و قال أيضا: " و إذا عُلم ما دل عليه الشرع مع العقل و اتفاق السلف من أن بعض القرآن أفضل من بعض، و كذلك بعض صفاته أفضل من بعض .. " (37)
و على هذا فلا يلزم من قوله (كلتا يديه يمين) تساويهما في الفضل، فإن اليد اليمنى أفضل من اليد الأخرى، و إلا لما كان للمقسطين مزية في كونهم عن يمين الرحمن.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " و في الصحيحين عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة، سحَّاء الليل النهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات و الأرض فإنه لم يغض ما في يمينه، و القسط بيده الأخرى يرفع و يخفض) (38).
فبيَّن صلى الله عليه وسلم أن الفضل بيده اليمنى، و العدل بيده الأخرى، و معلوم أنه مع أن كلتا يديه يمين، فالفضل أعلى من العدل، و هو سبحانه كلُ رحمة منه فضل، و كلُ نفمة منه عدل، و رحمته أفضل من نقمته، و لهذا كان المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن و لم يكونوا عن يده الأخرى، و جَعْلُهم عن يمين الرحمن تفضيل لهم، كما فضل في القرآن أهل اليمين و أهل الميمنة على أصحاب الشمال و أصحاب المشأمة، و إن كانوا إنما عذَبهم بعدله، و كذلك الأحاديث و الآثار جاءت بأن أهل قبضة اليمين هم أهل السعادة، و أهل القبضة الأخرى هم أهل الشقاوة" (39)
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه مسلم: كتاب الإمارة، باب: فضيلة الإمام العادل (12/ 452) ح (1827)
(2) أخرجه مسلم: كتاب صفات المنافقين و أحكامهم (17/ 138) ح (2788)
(3) انظر في هذه المسألة: صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب و السنة لعلوي السقاف، فقد أفاد و أجاد.
(4) متفق عليه: البخاري: كتاب الرقاق، باب: يقبض الله الأرض يوم القيامة (5/ 2389) ح (6154)، و مسلم: كتاب صفات المنافقين و أحكامهم (17/ 137) ح (2787).
(5) متفق عليه: البخاري: كتاب التوحيد، باب (و كان عرشه على الماء) (6/ 2699) ح (6983)، و مسلم: كتاب الزكاة، باب: الحث على النفقة (7/ 83) ح (993)
(6) هو: أبو سعيد عثمان بن سعيد بن خالد السجستاني، الحافظ الإمام الحجة صاحب التصانيف، أكثر من الترحال و التطواف في طلب الحديث، أخذ علم الحديث و علله على علي بن المديني و يحيى بن معين و أحمد بن حنبل وفاق أهل زمانه، و كان لهَّاجا بالسنة بصيرا بالمناظرة جذعا في أعين المبتدعة، توفي رحمه الله سنة (280هـ) له مصنفات منها: النقص على المريسي، و كتاب الرد على الجهمية.
انظر: تذكرة الحفاظ (2/ 621)، السير (13/ 319)، شذرات الذهب (2/ 176).
7. هو: محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد المعروف بأبي يعلى الفراء البغدادي شيخ الحنابلة و فقيههم، صاحب التصانيف الفريدة، كان إماما لا يدرك قراره، و لا يشق غباره، درَّس و أفتى وولي قضاء الحريم، توفي رحمه الله سنة (458هـ)، و من مصنفاته: إبطال التأويلات، و مسائل الإيمان.
انظر: تاريخ بغداد (2/ 252)، العبر (2/ 309)، شذرات الذهب (3/ 306)
8) و كذلك الشيخ عبد العزيز بن باز. انظر: مذكرة شرح كتاب التوحيد له (105). و الشيخ محمد خليل الهراس. انظر: تعليقه على كتاب التوحيد لابن خزيمة (66) حاشية (4).
و الشيخ عبد الله الدويش. انظر: التوضيح المفيد لمسائل كتاب التوحيد (259) مطبوع ضمن مجموعة مؤلفات الشيخ عبد الله الدويش رقم (1).
¥