ولو فرض أن الرجل تقرب بالذباب تخلصاً من شرهم، فإن لدينا: نصاً محكماً في الموضوع، وهو قوله تعالى: (من كفر بالله) ... ? [النحل: 106] الآية، ولم يقل: بالقول، فما دام عندنا نص قرآني صحيح، فإنه لو وردت السنة صحيحة على وجه مشتبه، فإنها تحمل على النص المحكم.
الخلاصة أن من أكره على الكفر، لم يكن كافراً ما دام قلبه مطمئناً بالإيمان ولم يشرح بالكفر صدراً.
الثالثة عشرة: معرفة أن عمل القلب هو المقصود الأعظم حتى عند عبدة الأوثان، والحقيقة أن هذه المسألة مع التاسعة فيها شبه تناقض، لأنه في هذه المسألة أحال الحكم على عمل القلب، وفي التاسعة أحاله على الظاهر، فقال: بسبب ذلك الذباب الذي لم يقصده بل فعله تخلصاً من شرهم، ومقتضى ذلك أن باطنه سليم، وهنا يقول: إن العمل بعمل القلب، ولا شك أن ما قاله المؤلف رحمه الله حق بالنسبة إلى أن المدار على القلب .... ). (1/ 231).
باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله.
العاشرة: لا نذر في معصية الله، هكذا قال المؤلف، ولفظ الحديث المذكور: "لا وفاء لنذر"، وبينهما فرق.
فإذا قيل لا نذر في معصية، فالمعنى أن النذر لا ينعقد، وإذا قيل: لا وفاء، فالمعنى أن النذر ينعقد، لكن لا يوفى، وقد وردت السنة بهذا وبهذا.
لكن: "لا نذر" يحمل على أن المراد لا وفاء لنذر، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "ومن نذر أن يعصي الله، فلا يعصه". (1/ 243)
الحادية عشرة: لا نذر لابن آدم فيما لا يملك، يقال فيه ما قيل في: لا نذر في معصية.
والمعنى: لا وفاء لنذر فيما لا يملك ابن آدم، ويشتمل ما لا يملكه شرعاً، وما لا يملكه قدراً.). (1/ 244).
باب من الشرك النذر لغير الله.
الأولى: قوله: ?يوفون بالنذر?، هذه الآية سيقت لمدح الأبرار، (إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً?) [الإنسان: 5].
ومدحهم بهذا يقتضي أن يكون عبادة، لأن الإنسان لا يمدح ولا يستحق دخول الجنة إلا بفعل شيء يكون عباده.
ولو أعقب المؤلف هذه الآية بقوله تعالى: (وليوفوا نذورهم) [الحج]، لكان أوضح، لأن قوله: ?وليوفوا نذورهم? أمر، والأمر بوفائه يدل على أنه عبادة، لأن العبادة ما أمر به شرعاً.). (1/ 245).
وجه استدلال المؤلف بالآية على أن النذر لغير الله من الشرك: أن الله تعالى أثنى عليهم بذلك، وجعله من الأسباب التي بها يدخلون الجنة، ولا يكون سبباً يدخلون به الجنة إلا وهو عبادة، فيقتضي أن صرفه لغير الله شرك.
قوله: قوله: "وفي الصحيح"، سبق الكلام على مثل هذا التعبير في باب تفسير التوحيد (ص 146).
***************
باب من الشرك الاستعاذة بغير الله.
قوله: "من الشرك"، من: للتبعيض، وهذه الترجمة ليست على إطلاقها، لأنه إذا استعاذ بشخص مما يقدر عليه، فإنه جائز، كالإستعانة. (1/ 250).
باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره.
قوله: "من الشرك"، من: للتبعيض، فيدل على أن الشرك ليس مختصاً بهذا الأمر.
والاستغاثة: طلب الغوث، وهو إزالة الشدة.
وكلام المؤلف رحمه الله ليس على إطلاقه، بل يقيد بما لا يقدر عليه المستغاث به، إما لكونه ميتاً، أو غائباً، أو يكون الشيء مما لا يقدر على إزالته إلا الله تعالى، فلو استغاث بميت ليدافع عنه أو بغائب أو بحي حاضر لينزل المطر فهذا كله من الشرك ولو استغاث أو بحي حاضر فيما يقدر عليه كان جائزاً، (1/ 260).
قال الله تعالى: (فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه) [القصص: 15].
وإذا طلبت من أحد الغوث وهو قادر عليه، فإنه يجب عليك تصحيحاً لتوحيدك أن تعتقد أنه مجرد سبب، وأنه لا تأثير له بذاته في إزالة الشدة، لأنك ربما تعتمد عليه وتنسى خالق السبب، وهذا قادح في كمال التوحيد.
الآية الثالثة قوله: (فابتغوا عند الله الرزق).
لو أتى المؤلف بأول الآية: (إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقاً) لكان أولى، فهم يعبدون هذه الأوثان من شجر وحجر وغيرها، وهي لا تملك لهم رزقاً أبداً، لو دعوها إلى يوم القيامة ما أحضرت لهم ولا حبة بر، ولا دفعت عنهم أدنى مرض أو فقر، فإذا كانت لا تملك الرزق، فالذي يملكه هو الله، ولهذا قال: (فابتغوا عند الله الرزق)، أي: اطلبوا عند الله الرزق، لأنه سبحانه هو الذي لا ينقضي ما عنده، (ما عندكم ينفد وما عند الله باق) [النحل: 96]. (1/ 267).
¥