ويوافق على هذا التعريف التفنازاني (ت 792هـ) على مثل هذا التعريف في «شرح العقائد النسفية»، مصر، القاهرة، 1322هـ، بقوله: الكلام هو العلم بالعقائد الدينية عن الأدلة اليقينية: (ص 4)، ولا يختلف في هذا الجرجاني (ت 816هـ) في «التعريفات»، دار الشؤون الثقافية، بغداد، العراق، (ص 104)، وكذلك في «شرح المواقف»: (1/ 31).
([24]) ابن خلدون: «المقدمة» (ص 1080).
يتبع ...
ـ[محمد الحسن]ــــــــ[24 - 10 - 07, 11:45 ص]ـ
ثانيا: وظيفة علم الكلام
يمكن القول من خلال التعريف الذي قدمه ابن خلدون لعلم الكلام، وهو تعريف لا يعتبر جامعًا مانعًا باصطلاح المناطقة، أن ابن خلدون يقصر وظيفته هذا العلم على مجرد الدفاع، وبالتالي فإنه ينفي عنه أي صفة تحصيلية، تفيد في فهم الإيمان ومعرفة الله تعالى، ولهذا فإنه يؤكد على عدم الحاجة إلى هذا العلم في عصره أي في القرن الثامن الهجري، لأن المبتدعة المنحرفين قد انقرضوا، ولأن الأئمة من أهل السنة قد وفقوا في الرد عليهم بأدلة عقلية لا مزيد عليها، فهو يقول: «هذا العلم الذي هو علم الكلام غير ضروري لهذا العهد على طالب العلم، إذا الملحدة والمبتدعة قد انقرضوا، والأئمة من أهل السنة كفونا شأنهم» ([25])، كما أن هذه العلوم: «قد نفقت أسواقها في هذه الملة بما لا يزيد عليه، وانتهت فيها مدارك الناظرين إلى الغاية التي لا فوقها» ([26]).
إن هذه النتيجة الخطيرة التي توصل إليها ابن خلدون تنسجم مع رؤيته الضيقة لمفهوم علم الكلام، الذي يحصره في مهمة الدفاع، حيث يشتغل المتكلم على جملة من القضايا والمسائل، الخاصة بدفع الشبهات عن الدين في إطار الصراع الداخلي بين الفرق، ويغفل عن وظائف أخرى ذكرها المتكلمون مثل التبيين حيث يجب على المتكلم أن يعني بتبيين وعرض التصورات الرئيسية التي تدور حول الله جل جلاله والصفات الإلهية، والملائكة، والنبوة والمعجزة والمعاد، وكذلك وظيفة الإثبات حيث يعمل المتكلم على إثبات مجموعة القضايا والتصديقات الرئيسة في الدين، وقد أدرك هذه الوظائف لعلم الكلام ابن الهمام (ت861هـ) الذي قرر أن علم الكلام "علم تحصيلي" وليس لمجرد الدفاع والمنافحة ومواجهة الخصوم في ظروف تاريخية محددة ([27]).
يمكن القول: إن ما توصل إليه ابن خلدون يعكس بشكل دقيق الوضع الذي وصل إليه علم الكلام في عصره بشكل عام، والمغرب العربي بشكل خاص، حيث نلحظ غياب الإبداع في هذا العلم، وانتشار الملخصات والحواشي والشروح والتعليقات على ما أبدعه المتقدمون، ولعل قيام ابن خلدون بتلخيص كتاب «المُحصّل» لفخر الدين الرازي، وهو في مقتبل العمر، يدل دلالة واضحة على المستوى الذي وصل إليه هذا العلم في القرن الثامن الهجري.
يظهر ابن خلدون في «لباب المُحصّل» مقلدًا، لا يتمتع بالحد الأدنى من الأصالة والتجديد، مع وجود تعليقات قليلة على بعض المسائل عبر عنها بقوله: «فيه بعض من لبنات أفكاري ([28])» وفي المقدمة لا نظفر بتقدير لهذا العلم، بل إنه يقلل فائدته، إذ يقول: «فائدته في آحاد الناس وطلبة العلم فائدة معتبرة، إذ لا يحسن بحامل السنة الجهل بالحجج النظرية على عقائدها» ([29]).
([25]) ابن خلدون: «المقدمة» (ص 1083).
([26]) ابن خلدون: «المقدمة» (ص 1027).
([27]) ابن الهمام: «المسايرة في العقائد المنجية في الآخرة»، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 2002م، (ص 22 - 23).
([28]) ابن خلدون: «لباب المحصل في أصول الدين»، تحقيق وتعليق الدكتور: عباس محمد حسن سليمان، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1996م، (ص 61).
([29]) ابن خلدون: «المقدمة» (ص 1083).
يتبع ...
ـ[محمد الحسن]ــــــــ[24 - 10 - 07, 05:39 م]ـ
ثالثا: منهج علم الكلام
إن الهدف الأساس لعلم الكلام الخلدوني ينحصر في البحث الوجودي ودلالته على الموجد، فهو يقول: «ونظر المتكلم في الوجود من حيث إنه يدل على الموجد» ([30])، وليس إقامة الحجج العقليّة لإثبات صحة العقائد الإيمانية، لأن صحة العقائد قد أثبتها الشرع، فالبحث عن الحق في العقائد ليس من مهمات المتكلم، والمطلوب إنما هو البحث عن الحجج التي تعضد العقائد الإيمانية ومذهب الشرع، وهذا هو الفرق بين المتكلم والفيلسوف الذي يسعى إلى التعليل بالأدلة من خلال النظر في الوجود من حيث هو وجود.
¥