تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[محمد الحسن]ــــــــ[24 - 10 - 07, 11:32 م]ـ

خامسًا: العقل والمعرفة

تعتبر نظرية المعرفة ومسألة العقل أحد أهم الأركان النظرية التي يتشكل منها علم الكلام الإسلامي، إذ يحرص المتكلمون على البدء به في مصنفاتهم؛ فالمقرر أن المعرفة هي غاية النظر العقلي للوصول إلى اليقين في إثبات العقائد، ولذلك فقد أطلق على علم الكلام "علم النظر والاستدلال"، وقد تعددت مسالك المتكلمين في العقل والمعرفة؛ وينتمي ابن خلدون في نظرته إلى العقل إلى المنهج الاسمي الواقعي، ويرفض مجمل الأفكار القائلة بفطرية المعرفة، فالعقل صفحة بيضاء، ويكتسب معارفه من خلال التجربة والواقع، ويستند في تقريره إلى أدلة نقلية انطلاقًا من قوله تعالى: "وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة" [النحل: 78] ([54])، وكذلك قوله تعالى: " اقرأ بسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم".

فالإنسان يكتسب من «العلم ما لم يكن حاصلًا له، بعد أن كان علقةً ومضغةً، فقد كشفت لنا طبيعته وذاته ما هو الجهل الذاتي والعلم الكسبي» ([55])، فالعلاقة بين الأفكار والأشياء تتم عقب التجربة وليست فطرية قبلية.

ويرفض ابن خلدون اعتبار العقل والنفس من عالم مفارق، كما يرى أفلاطون، أو اعتبار النفس جوهرًا يختلف عن الجسد كما يرى أرسطو، «الملكات كلها جسمانية سوءا كانت في البدن أو في الدماغ من الفكر» ([56])، ولا طاقة للعقل بإدراك الأسباب والإحاطة بها، كما يرى الفلاسفة الذين زعموا «أن الوجود كله الحسي منه وما وراء الحسي، تدرك ذواته وأحواله بأسبابها وعللها بالأنظار الفكرية، والأقيسة العقليّة» ([57]).

فابن خلدون يشدد على عجز الإنسان، ويؤكد على قصور مداركه إذ يقول: «ولا تَثِقَنََّ بما يزعمه لك الفكر من أنه مقتدر على الإحاطة بالكائنات وأسبابها، والوقوف على تفصيل الوجود كله، .. واعلم أن الوجود عند كل مدرك في بادئ رأيه منحصر في مداركه لا يعدوها» ([58]).

يحمل ابن خلدون على الفلاسفة الذين وثقوا في العقل في دراسة الطبيعة، وذلك بسبب اعتقادهم أن العقل قادر على معرفة الوجود (الحسي) ومعرفة ما يتجاوز الحس.

وسبب خطأهم ينبع من تطبيق جملة الأحكام المتعلقة بالجسم الطبيعي على الأجسام السماوية، على الرغم من اختلاف الجسمين ([59]) كما ذهب إلى ذلك الكندي والفارابي وابن سينا، ولرسوخ اعتقادهم بالمنهج العقليّ، والأقيسة المنطقية.

ويذهب ابن خلدون إلى أن معرفة الطبيعة تتم عن طريق الواقع والتجربة، حيث أفرد فصلا في المقدمة عن العقل التجريبي، فالمنهج الخلدوني استقرائيٌ، يبدأ بالواقع الحسي، ويعنى بالتجربة ثم يجمع الظواهر للتوصل إلى أحكام عامة عن طريق القياس، وبهذا يتوصل العقل إلى معرفة العلل والأسباب التي تربط الأجزاء، فالمعرفة الإنسانية، تنطلق من التمييز، فالتجريب ثم النظر، وهو بهذا يتجاوز الغزالي، ويتعقب ابن رشد كاشفًا حدود البرهان الصناعي الذي توسل به الفلاسفة، في تحصيل مقاصدهم في الطبيعيات والإلهيات، ويؤكد على أنه لا يقين في مطابقة النتائج المستخرج من البراهين المتعلقة بالحقائق الخارجية، نظرًا لاختلاف الموجود بين المجرد الكلي والمشخص المادي.

ولذلك يلجأ ابن خلدون إلى ما أطلق عليه"الفكر الطبيعي" باعتباره فطرة إلهية بينما البرهان المنطقي صناعة إنسانية مكتسبة، فالفكر الطبيعي يخلو من "الحجب" التي تعطل الاستدلال بسبب الإغراق في المناقشات، والوقوع في الشبهات ([60])، كما أن الفكر الطبيعي أصل للبرهان المنطقي ([61])، ويؤكد ابن خلدون أن النظر في مسائل الطبيعيات بالتصحيح والبطلان، «ليس من موضوع علم الكلام ولا من جنس أنظار المتكلمين» ([62]).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير