تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما بخصوص المعجزة فقد أفاض ابن خلدون في عرض المذاهب المختلفة بخصوصها، واعتبر أن هذه العلاقة دليل اتفاق عند الكثيرين على صحة النبوة، لأن الأنبياء والرسل معرضون للأسئلة من قومهم، فأجرى الله على أيدي أنبيائه ورسله خوارق ومعجزات ليست في مقدور البشر.

فالمعجزة بحسب ابن خلدون، «وقوع الخوارق، وهي أفعال يعجز البشر عن مثلها، فسميت بذلك معجزةً» ([96])، ويعرفها في «لباب المُحصّل» بقوله: «وهي أمر خارقٌ للعادة مع التحدي وعدم المعارضة» ([97])، أما الخوارق فقد تأتي من الأنبياء أو غيرهم، وتسمى كرامة أو سحرًا أو غيره، ولذلك فإن للمعجزة شرطين؛ الأول: إثبات الخوارق، والثاني: التحدي، إلا أن «التّحدي هو الفارق بين المعجزة وبين الكرامة والسحر» ([98]).

ويعتبر ابن خلدون أن أعظم المعجزات، وأشرفها، وأوضحها دلالة، هي القرآن الكريم، لأن معجزته كانت هي نفسها الوحي، وهو خارقٌ معجز، ولا يفتقر إلى دليل مغاير كسائر المعجزات مع الوحي، فهو أوضح دلالة لاتحاد الدليل والمدلول، وهذا معنى قوله e: « ما من نبي من الأنبياء إلا وأوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحي إليَّ، فأنا أرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة» ([99]).

فمعجزة الإسلام الأولى هي القرآن الكريم، وما أوتي النبي e من معجزات أخرى، إنما هو تكملة وليست أساسية، ولذلك قال ابن خلدون «المعتمد القرآن وغيره تكملة» ([100])، ويعتبر ابن خلدون القرآن معجز بنظمه ومعناه كسائر أهل السنة، كما أن فيه إخبارًا عن المستقبل، ولأن البشر عجزوا عن الإتيان بمثله أو سورة منه، كما أنه صدر بإعجازه عن أميّ يجهل القراءة والكتابة، والتي يعتبرها ابن خلدون أميّة كمال لا نقص، وذلك لتنزهه عن الصنائع العملية التي هي أسباب المعاش والعمران كلها ([101])، وربما يخالف ابن خلدون بهذا الرأي ما هو معروف من سيرة الأنبياء حيث كانوا جميعًا من أصحاب الحرف والصنائع والمهن العملية، ويرى ابن خلدون أن الأنبياء أفضل من الملائكة كما هو شأن أهل السنة عمومًا ([102]).

([87]) ابن خلدون: «المقدمة» (ص 398).

([88]) ابن خلدون: «المقدمة» (ص 261).

([89]) ابن خلدون: «المقدمة» (ص 1149).

([90]) ابن خلدون: «لباب المحصل» (ص 113).

([91]) ابن خلدون: «المقدمة» (ص 409).

([92]) ابن خلدون: «لباب المحصل» (ص 115).

([93]) ابن خلدون: «المقدمة» (ص 400).

([94]) ابن خلدون: «المقدمة» (ص 401).

([95]) ابن خلدون: «المقدمة» (ص 526).

([96]) ابن خلدون: «المقدمة» (ص 401).

([97]) ابن خلدون: «لباب المحصل» (ص 111).

([98]) ابن خلدون: «المقدمة» (ص 402).

([99]) ابن خلدون: «المقدمة» (ص 403).

والحديث أخرجه «البُخاري»: 4981، 7274، و «مسلم»: 302، والنَّسائي في «السنن الكبرى»: 11064، وأحمد: 2/ 341 (8472)، 2/ 451 (9827).

([100]) ابن خلدون: «لباب المحصل» (ص 113).

([101]) ابن خلدون: «المقدمة» (ص 967).

([102]) ابن خلدون: «لباب المحصل» (ص 117).

ـ[محمد الحسن]ــــــــ[26 - 10 - 07, 01:41 ص]ـ

ثامنًا: الإمامة

من المعلوم أن مبحث الإمامة عند متكلمي أهل السنة أصبحت أحد مباحث علم الكلام، ولا يكاد يخلوا مصنف من التطرق إلى هذا الباب، مع الإقرار بأن الإمامة من مسائل الفروع وليس الأصول إلا أنهم اضطروا إلى إدراج الإمامة في مباحث أصول الدين وعلم الكلام، للرد على فرق الشيعة الذين جعلوها من أركان الدين، ثم أصبحت هذه المسألة أحد المباحث الرئيسة والأساسية في علم الكلام، وقد سار على هذا النهج ابن خلدون في عرضه لعلم الكلام، إذ يتفق ابن خلدون مع الرؤية الأشعريّة لمسألة الإمامة ويعتبرها من مسائل الفروع نافيًا أن تكون من الأصول، ويرد على الشيعة بقوله: «شُبة الإمامية .. إنما هي كون الإمامة ركنًا من أركان الدين كما يزعمون، وهي ليست كذلك» ([103])، ومع أن ابن خلدون يلتزم بقول الأشاعرة ولا يخرج عنهم في معظم المسائل، إلا أن آراءه المتعلقة بالإمامة تتسم بالواقعية، نتيجة اهتمامه الأساسي بالتاريخ وعلم العمران، ويؤكِّد على الصلة بين الدين والسياسة في الإسلام؛ فالخلافة خاصةٌ بالسياسة، والإمامة خاصة بالدين، وإن كان المعنيان مترادفين، ذلك لأن السياسة في ذلك الوقت كانت تتحرك بنوازع دينية، والخليفة كان يباشر مهامه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير