قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " [المائدة:101]، وقال النبي –صلى الله عليه وسلم-:"ذروني ما تركتم فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم"، ومن سأل متعنتاً ومتلمساً للعثرات غير متفقه ولا متعلم، فهو الذي لا يحل قليل سؤاله ولا كثيره.
21.أمرهم شورى بينهم:
قال تعالى مثنياً على عباده المؤمنين: " وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ" [الشورى:28]، وهذا يشمل أمورهم الدينية والدنيوية، الخاصة والعامة، كذلك أمر سبحانه نبيه عليه الصلاة والسلام مع وفور عقله وسداد رأيه بالشورى فقال سبحانه " وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ " [آل عمران:159].
وكان النبي –صلى الله عليه وسلم- كثير المشاورة لأصحابه، وكان أصحابه يتشاورون فيما بينهم، لذلك فأهل السنة أكثر الناس شورى، وأبعدهم عن التفرد والاستبداد، امتثالاً لأمر الله –عز وجل-، وأتباعاً لرسول –صلى الله عليه وسلم- ولعلمهم بفضائل الشورى وعوائدها الجمة،فهي تزرع الألفة بين المتشاورين وتقوي الروابط بين المسلمين، قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "نعم المؤازرة المشاورة، وبئس الاستعداد الاستبداد".
بخلاف الذين ذهبت بهم خيالات الغرور كل المذهب، فاعتدوا بأنفسهم أكثر من اللازم، فلم يرعوا للشورى حقها، ولم يقدروها قدرها، فما أكثر خطأهم وما أقل صوابهم.
22.الاهتمام بأمور المسلمين:
فأهل السنة والجماعة أكثر من يهتم بأمر المسلمين، فهم يسعون في نصرتهم وأداء حقوقهم، وكف الأذى عنهم، ورفع الظلم الواقع عليهم، ويشاركونهم أفراحهم، ويشاطرونهم أتراحهم "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ " [التوبة:71]. وقوله عليه الصلاة والسلام: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر" وقوله: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا" وشبك بين أصابعه.
23.الأدب في الخلاف:
فأهل السنة قد يختلفون في بعض المسائل الاجتهادية، مع بقاء الألفة والمحبة والمودة فيما بينهم، ومن الأمثلة الرائعة ما أسنده ابن عبد البر إلى العباس بن عبد الملك العظيم العنبري أحد الثقات الحفاظ الكبار، وممن روى عن الإمام أحمد وشاركه في الرواية عن بعض شيوخه، قال:"كنت عند أحمد بن حنبل وجاءه علي المديني راكباً على دابة، فناظر في الشهادة – يريد الشهادة بالجنة للعشرة المبشرين بها – وارتفعت أصواتهما حتى خفت أن يقع بينهما جفا، وكان أحمد يرى الشهادة وعلي يأبى ويدفع، فلما أراد علي الانصراف قام أحمد فأخذ بركابه".
وقد يحتاجون إلى الرد على بعض، ولكن في حدود الأدب واللياقة، بعيداً عن الإسفاف والصفاقة أو التنقص والغيبة، لأن الله –عز وجل- أمرنا ألا نجادل أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم، فما الشأن مع المسلمين؟! بل مع خاصة المسلمين من العلماء والدعاة والمصلحين؟! فهم يدينون لله تعالى بسلامة قلوبهم وألسنتهم لإخوانهم المسلمين.
قال الذهبي رحمه الله عن الإمام الشافعي رحمه الله: "ما رأيت أعقل من الشافعي! ناظرته يوماً في مسألة، ثم افترقنا، ولقيني فأخذ بيدي ثم قال: يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخواناً, وإن لم نتفق في مسألة!! "
هذا هو منهج أهل السنة في الخلاف، لا كما يفعله بعض من خالف منهجهم ممن يمتحن طلبته وأتباعه بأن يكون لهم موقف معادٍ مع من خالفه، فإن لم يوافقه بدع وهجر.
وليس لأحد أن ينسب إلى أهل السنة مثل هذه الفوضى في التبديع والهجر، وليس لأحد أيضاً أن يصف من لا يسلك هذا المسلك الفوضوي بأنه مميع لمنهج أهل السلف، وفي مجموع الفتاوى لابن تيمية رحمه الله تعالى في جوابه لأهل البحرين: "كان العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إذا تنازعوا في الأمر اتبعوا أمر الله في قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ
¥