ومن الأمثلة التي توضح ذلك موقف أهل السنة من المنكرات، فهم يسعون لإزالتها، ويطمحون لقطع دابرها بالكلية بالوسائل الشرعية في حدود مقدرتهم واستطاعتهم، فإذا لم يستطيعوا القضاء عليها جميعها قضوا على ما يستطيعون منها، واجتهدوا في محاولة القضاء على الباقي، وهكذا ...
أما غيرهم فإن تطلبهم للكمال قد يجرهم للمطالبة بالمستحيل، كما فعل الخوارج عندما حلوا بيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب –رضي الله عنه-، لأنه حكم الرجال في كتاب الله – بزعمهم – وقالوا: لا نريد إلا مثل عمر بن الخطاب –رضي الله عنه-.
ولكن من أين يؤت بمثل عمر-رضي الله عنه-؟
فهذا طلب في غير محله، وهذا علي –رضي الله عنه- أفضل أهل زمانه.
تركوا علياً –رضي الله عنه- وحلوا البيعة، وليتهم عندما فعلوا ذلك بايعوا أحد الصحابة كابن عمر –رضي الله عنه-، وسعيد بن زيد –رضي الله عنه- وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم.
بل إن الغلو والإفراط قادهم إلى التفريط، فاستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، " فبايعوا شيت بن ربعي مؤذن سجاح أيام أدعت النبوة، بعد موت النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى تداركه الله –عز وجل- برحمته، ففر منهم وتبين ضلالتهم، فلم يقع اختيارهم إلا على عبد الله بن وهب الراسبي، أعرابي بوال على عقبيه، لا سابقة ولا صحبة، ولا فقه، ولا شهد الله له بخير".
وهذه الحالة تحصل مع الأسف كثيراً، فتجد بعض الغالين يتطلب الكمال مما يؤدي به إلى الانحراف عن منهج الحق في إنكار المنكر، فتحدث فتنة البغي والاعتداء والخروج على الولاة.
ومنهم من يضع في ذهنه صورة خيالية، مغرقة في المثالية، فإن حصل له كل ما يريد وإلا قعد بدون سعي، أو جهد، أو تسديد، أو مقاربة.
31.لا يوالون ولا يعادون إلى على أساس الدين:
فلا ينتصرون لأنفسهم ولا يغضبون لها، ولا يوالون لدعوة جاهلية، أو عصبية مذهبية، أو راية حزبية، وإنما يوالون على الدين، فولاؤهم لله وبراؤهم لله، ومواقفهم ثابتة لا تتغير و لا تتبدل.
32.محبة بعضهم لبعض وترحم بعضهم على بعض:
فأهل السنة متوادون متحابون يترحم بعضهم على بعض، ويذب بعضهم عن بعض ويدعوا بعضهم لبعض، وما ذلك إلا لحسن معتقداتهم، وصلاح أعمالهم، والله عز وجل تأذن للذين آمنوا وعملوا الصالحات أن يجعل لهم ودّا. وقال الله تعالى "وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ" [الحشر:10].
33. سلامتهم من تكفير بعضهم لبعض:
فأهل السنة سالمون من ذلك فهم يردون على المخالف منهم، ويوضحون الحق
للناس، فهم يُخطئون،ولا يكفرون، ولا يبدعون، ولا يفسقون إلا من استحق ذلك.
بخلاف غيرهم من الطوائف الأخرى كالخوارج الذين يكثر فيهم الاختلاف والتضليل والتكفير، ولهذا تجدهم يكفر بعضهم بعضاً عند أقل نازلة تنزل بهم.
34.التثبت في الاخبار وعدم التسرع في إطلاق الاحكام:
أنطلاقا من قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ" [الحجرات:6]، بخلاف الذين يسارعون في إطلاق الأحكام، ويتهافتون على إلصاق التهم بالأبرياء، فيفسقون ويبدعون، ويكفرون بالتهمة والظن، من غير ما برهان أو بينة.
35. سلامتهم في العموم من التلبس بالبدع والشركيات والكبائر:
فأهل السنة والجماعة أسلم الناس وقوعاً في البدع ولا تكون فيهم الشركيات، أما المعاصي والكبائر فقد يقع فيها طوائف من أهل السنة، كما أنه قد يوجد عند بعض أهل السنة شيء من الجور والظلم والجهل، إلا أن هذه الأمور في أهل السنة قليلة بالنسبة لغيرهم.
36. سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم-:
فقلوبهم عامرة بحبهم، وألسنتهم تلهج بالثناء عليهم، فأهل السنة يرون الصحابة خير القرون، لإن الله عز وجل زكاهم وكذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويرون أن الكلام فيما شجر بينهم ليس هو الأصل، بل الأصل الاعتقادي عند أهل السنة هو الإمساك عما شجر بينهم.
37.سلامتهم من الحيرة والاضطراب والتخبط والتناقض:
¥