تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فأهل السنة والجماعة يحبون الرسول –صلى الله عليه وسلم- ويعتقدون أنه خير البشر، وأنه سيد المرسلين، وخاتم النبيين، ويرون أن أكمل المؤمنين إيماناً أكملهم محبة واتباعاً للرسول –صلى الله عليه وسلم-، وهم مع ذلك يعتقدون أنه بشر، لا يملك لنفسه – فضلاً عن غيره – نفعاً ولا ضراً إلا بما أقدره الله عليه، ويعتقدون أنه مات، وإن دينه باقٍ إلى قيام الساعة.

بخلاف الذين غلوا فيه، فرفعوه فوق منزلته، واعتقدوا أنه يجيب من دعاه، فصرفوا له العبادة من دون الله –عز وجل-.

وبخلاف الذين جفوا في حق رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فأعرضوا عن شرعه، ولم يحكموه فيما شجر بينهم، أو الذين أدعوا أن شريعته قد نسخت بشريعة أخرى كحال غلاة الباطنية،وكذلك حال الذين يرون إن شريعته عليه الصلاة والسلام لا تتلاءم مع الحضارة، ولا تفي بمتطلبات العصر.

خ - وهم وسط في أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بين الرافضة والخوارج:

فالرافضة يسبون الصحابة -رضي الله عنهم - ويلعنونهم، وربما كفروهم أو كفروا بعضهم، والغالبية منهم مع سبهم لكثير من الصحابة والخلفاء يغلون في علي وأولاده – رضي الله عنهم – ويعتقدون فيهم الإلهية.

وأما الخوارج فقد قابلوا هؤلاء الروافض، فكفروا علياً ومعاوية ومن معهم من الصحابة، وقاتلوهم، واستحلوا دماءهم وأموالهم.

و أما أهل السنة والجماعة – فكانوا وسطاً بين غلو هؤلاء، وجفاء هؤلاء، فهداهم الله إلى الاعتراف بفضل الصحابة، وأنهم أكمل الأمة إيماناً وإسلاماً وعلماً وحكمة، ولكنهم لم يغلوا فيهم، ولم يعتقدوا عصمتهم، بل أحبوهم لحسن صحبتهم، وعظم سابقتهم، وحسن بلائهم في نصرة الإسلام، وجهادهم مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم-.

د - وهم وسط في باب العقل بين الذين ألّهوه وبين الذين ألغوه:

فأهل السنة والجماعة لا يلغون العقل، ولا ينكرونه، ولا يحجرون عليه، بل يعتقدون أن للعقل مكانة سامية، وأن الإسلام يقدر العقل، ويتيح له مجالات العلم والنظر والتفكير.

وفي الوقت نفسه لا يؤلّهون العقل، ولا يجعلونه حاكماً على نصوص الوحي، بل يرون أن للعقل حداً لا بد أن يقف عنده.

أما غيرهم فما بين مُفْرط ومُفرّط في هذا الباب، فالمعتزلة والفلاسفة، وأهل الكلام عموماً ألهوا العقل، وجعلوه مصدراً للتلقي، فما وافق العقل – أو ما يسمونه بالقواطع العقلية – قبلوه وأخذوا به، وما خالف ذلك ردوه، أو أوّلوه.

وأما أهل الخرافة والدجل فقد ألغوا العقل، وقبلوا ما لا يقبل ولا يعقل. وذلك كحال كثير من الصوفية الذين تنطلي عليهم أكثر الأباطيل والأغاليط.

ط. وسط في التعامل مع العلماء:

فأهل السنة يحبون علماءهم ويجلونهم، ويتأدبون معهم، ويذبون عنهم، ويحسنون الظن بهم، وينشرون محامدهم، ويسعون إليهم، ويأخذون عنهم، ويصدرون عن رأيهم، لعلمهم أن العلماء هم ورثة الأنبياء،القائمون بمهمة الدعوة والإبلاغ، وهم مفزع الأمة – بعد الله – عند الشدائد، فكان واجباً على الأمة موالاتهم، وإنزالهم منازلهم، وقدرهم حق قدرهم.

ثم إنهم في الوقت نفسه يرون أن العلماء بشر غير معصومين، بل يجوز عليهم في الجملة الخطأ، والنسيان، والهوى، إلا أن ذلك لا ينقص من أقدارهم، ولا يسوغ ترك الأخذ عنهم.

وهم كذلك لا يسارعون في تخطئة العلماء، بل يثبتون في ذلك، فإذا ثبت عندهم أن العالم الفلاني قد زل فإنهم لا يوافقونه على زلته، ولا يتتبعونها، ولا يتخذونها ذريعة للنيل منه، والوقيعة فيه، بل يطوونها ولا ينشرونها، إلا إذا عمت البلوى بها، وخشي أن يضل الناس بسببها، فإنهم حينئذ يردون على ذلك العالم مقالته، مع الاحتفاظ له بمكانته، ومع ملاحظة أن لا يرد عليه إلا من هو أهل لذلك، وأن ينصب الرد على المقالة لا على الشخص، وأن يلتمس له أحسن المخارج، وأن يحمل كلامه على أحسن المحامل.

بخلاف الذين حطوا من أقدار العلماء، فلم يرفعوا بهم رأساً، ولم يرعوا لهم حقاً، كحال الخوارج ومن شاكلهم.

وبخلاف الذين قدسوا علماءهم، وغلوا فيهم، ورفعوهم فوق منزلتهم، فقلدوهم تقليداً مطلقاً، فلم يجعلوا الدليل والحق رائدهم، بل جعلوا رائدهم قول الشيخ، وذلك كحال الروافض الذين غلوا في أئمتهم بل جعلوا لهم مقاماً لم يبلغه نبي مرسل، ولا ملك مقرب، فاعتقدوا فيهم العصمة، ونزهوهم عن الخطأ، والسهو، والنسيان.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير