(ثم إن المخالف - يعني ابن عبد الوهاب - جعل التوحيد توحيدين توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، فقال: إن الأول اعترف به المشركون، وأما الثاني فلم يعترفوا به، وجعل توحيد الإلهية راجعاً إلى العبادة ولا نعلم سلف له في هذا، ونحن لا نسلم الفرق، بل توحيد الربوبية هو توحيد الألوهية، إذ الصفة لا تزول عن الموصوف، فرب السموات والأرض إلههما .. )
(لقد جاء مشركوا العرب الكفر من جهة اعتقادهم استحقاق العبادة لغير الله، واتخاذه رباً من دون الله، وأما المسلمون فإنهم بحمد الله بريئون من ذلك، إذ لا يعتقدون شيئاً يستحق الألوهية والعبادة غير الله تعالى، فهذا هو الفرق بين الحالين. وأما هؤلاء الجاهلون المكفرون للمسلمين، فإنهم لم يعرفوا الفرق بين الحالين، تخبطوا وقالوا أن التوحيد نوعان: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية).
ويقول السمنودي - في موضع آخر: -
(وأما المشركون الذين نزلت فيهم الآيات القرآنية، فكانوا يعتقدون استحقاق أصنامهم الألوهية والعبادة، ويعظمونها تعظيم الربوبية، وإن كانوا يعتقدون أنها لا تخلق شيئاً)
ويورد أحمد دحلان تقسيم التوحيد إلى توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية ويستنكر هذا التقسيم، ثم يذكر أدلته على إبطاله، يقول دحلان:
(وقالوا أن التوحيد نوعان توحيد الربوبية، وهو الذي أقر به المشركون، وتوحيد الألوهية وهو الذي أقر به الموحدون، وهو الذي يدخلك في دين الإسلام، وأما توحيد الربوبية فلا يكفي، وكلامهم باطل .. فإن توحيد الربوبية هو توحيد الألوهية.
ألا ترى إلى قوله تعالى: (ألست بربكم قالوا بلى)
ولم يقل ألست بإلهكم، فاكتفى منهم بتوحيد الربوبية، ومن المعلوم أن من أقرّ لله بالربوبية فقد أقر له بالألوهية، إذ ليس الرب غير الإله، بل هو الإله بعينه.
وفي الحديث (إن الملكين يسألان في قبره فيقولان له: من ربك؟)
ولا يقولا: من إلهك؟، فدل على أن توحيد الربوبية هو توحيد الألوهية.
ثم قال - وهل للكافر توحيد صحيح؟ فإنه لو كان للكافر توحيد صحيح لأخرجه من النار، إذ لا يبقى فيها موحد. فهل سمع المسلمون في الأحاديث والسير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدمت عليه أجلاف العرب ليسلموا على يده، يفضّل لهم توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية، ويخبرهم أن توحيد الألوهية هو الذي يدخلهم في دين الإسلام، أو يكتفي منهم بمجرد الشهادتين، وظاهر اللفظ ويحكم بإسلامهم، فما هذا الافتراء والزور على الله ورسوله، فإن من وحّد الربّ فقد وحّد الإله، ومن أشرك بالرب فقد أشرك بالإله، فليس للمسلمين إله غير الرب، فإذا قالوا لا إله إلا الله، إنما يعتقدون أنه هو ربهم، فينفون الألوهية عن غيره، كما ينفون الربوبية عن غيره)
وقد تحدث يوسف الدجوي عن هذا الاعتراض فأطال، فاستنكر التقسيم - السابق - وذكر أدلته وحججه، فقال:
(فقولهم أن التوحيد ينقسم إلى توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية تقسيم غير معروف لأحد قبل ابن تيمية .. ، وغير معقول، وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأحد دخل في الإسلام أن هناك توحيدين، وأنك لا تكون مسلماً حتى توحّد توحيد الألوهية، ولا أشار إلى ذلك بكلمة واحدة، ولا سمع ذلك عن أحد من السلف الذين يتبجحون باتباعهم في كل شيء، ولا معنى لهذا التقسيم، فإن الإله الحق هو الرب الحق، والإله الباطل هو الرب الباطل، ولا يستحق العبادة والتأليه إلا من كان رباً ولا معنى لأن نعبد من لا نعتقد فيه أنه رب ينفع ويضر …)
ثم ساق الدجوي أدلته واستدلاله فقال:
(يقول تعالى: (ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً)
فصرح بتعدد الأرباب عندهم، وعلى الرغم من تصريح القرآن بأنهم جعلوا الملائكة أرباباً، يقول ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب:
أنهم موحدون توحيد الربوبية، وليس عندهم إلا رب واحد، وإنما أشركوا في توحيد الألوهية.
ويقول يوسف عليه السلام لصاحبي السجن وهو يدعوهما إلى التوحيد (ءأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار)
، ويقول الله تعالى: (وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي)
وأما هم - أي مشركوا العرب - فلم يجعلوه رباً، ومثل ذلك قوله تعالى: (لكنا هو الله ربي)
خطاباً لمن أنكر ربوبيته تعالى).
¥