تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[الترحم على أهل البدع]

ـ[عجلان بن محمد العجلان]ــــــــ[09 - 11 - 08, 07:23 ص]ـ

الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فقد تباينت الآراء في مسألة الترحم على أهل البدع، وودت أن أسهم برأي حول هذه المسألة طامعاً في تقويمه وتسديده من أصحاب الفضيلة ورواد الملتقى فأقول مستعيناً بالله:

الميت من أهل البدع لا يخلو من أحوال:

الأول: من كانت بدعته مكفرة، وقد قامت عليه الحجة:

فهولاء لا يجوز الترحم عليهم؛ لقوله تعالى: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: 84]، وقوله تعالى: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم} [التوبة: 113].

الثاني: من كانت بدعته غير مكفرة، ولا تخرجه بدعته عن الإسلام:

فهذا حكمه حكم عامة المسلمين تجوز الصلاة عليه، ويُدعى له بالمغفرة و الرحمة.

والأصل في ذلك أنّ كل من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ولم نعلم عنه كفراً ظاهراً فإنه يصلى عليه، ويستغفر له، فإن الله تعالى حينما منع الاستغفار للمشركين في الآية المتقدمة دّل ذلك على جواز الاستغفار والترحم على أهل البدع من أهل القبلة، ولا يزال المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها يصلون على كل من أظهر الإسلام ويترحمون عليه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع فتاواه (24/ 286) ": وكل من لم يعلم منه النفاق وهو مسلم يجوز الاستغفار له والصلاة عليه بل يشرع ذلك ويؤمر به كما قال تعالى {واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} ".

ولكن قد يقال: إنّ بعض أئمة السلف امتنع من الصلاة عليهم، فالجواب:

أنّ هذا للمصلحة المرجوة في انزجار النّاس عن بدعهم، ولهذا نظائر في الشرع، فقد ثبت في صحيح مسلم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة على قاتل نفسه.

وترك الصلاة على الذي عليه دين و لم يترك وفاءً، وقال للمسلمين: (صلوا على صاحبكم).

قال شيخ الإسلام في منهاج السنة (5/ 235):"فكل مسلم لم يعلم أنه منافق جاز الاستغفار له، والصلاة عليه وإن كان فيه بدعة أو فسق لكن لايجب على كل أحد أن يصلي عليه، وإذا كان في ترك الصلاة على الداعي إلى البدعة و المظهر للفجور مصلحة من جهة انزجار الناس فالكف عن الصلاة كان مشروعاً لمن كان يؤثر ترك صلاته في الزجر بأن لا يصلى عليه".

وكثيراً ما تُشكل مسألة الترحم على أهل البدع غير المكفرة على أصحاب الدراسات والرسائل العلمية وخصوصاً المتعلقة بأشخاص المبتدعة، فحينما ترد بعض تقريراتهم ودعواتهم لمذهب المبتدعة يجد الباحث في نفسه شيئاً من الترحم عليهم، وله في ذلك سلفٌ من فعل السلف حينما تركوا الصلاة والترحم على أرباب البدع.

والذي ارتضيته في ذلك وانتهجته أنّ الأمر يختلف باختلاف المقام الذي وردت فيه مقالات المبتدع.

فإن كانت المقالة موافقة لما عليه الدليل من الكتاب والسنة وفق منهج السلف الصالح فإنّ المقام يقتضي الدعاء والترحم على قائلها بما يُشعر للقارئ الثناء على صاحبها.

وأمّا إن كانت المقالة مخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة فإن الواجب الإنكار والزجر عن تلك المقالة، وعدم الدعاء لصاحبها بما يُوحي للقارئ ثناءً عليه وعلى مقالاته، إلا أنْ يكون الدعاء له بالعفو والمغفرة مما يُفهم منه الشفقة عليه وعدم الرضى بما ذهب إليه، فيقال: عفا الله عنه، غفر الله له بما يدّل على نقد قوله وعدم قبوله.

ويؤيد ذلك منهج أهل العلم في الدعاء للمخالفين والمجانبين للحق زمناً والمنقادين إليه زمناً آخر، ومن ذلك الترضي عن أبي سفيان - رضي الله عنه-

فأهل العلم لا يتبعون اسمه بالترضي عنه حينما يوردون مواقفه وعداوته السابقة للرسول صلى الله عليه وسلم وكفره قبل إسلامه، لعدم مناسبة المقام، وإن كان غير ذلك ترضوا عنه ..

وقد تتداخل المقامات فيغلب ما حقه التأخير لترجيح ما أو مصحة ما.

وأخيراً فإني أختم هذه المقالة بكلام نفيس لشيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى (3/ 18)، وسأورده بطوله لنفاسته وأهميته في الموضوع، قال رحمه الله:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير