[التأويل "المحلي" والتأويل" المنهجي"]
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[30 - 11 - 08, 05:20 م]ـ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ..
أما بعد:
فهدفنا من هذه الفقرات التفصيل في مسألة التأويل، ودفع شغب بعض المناوئين لمنهج السلف عندما يلحون على أن بعض أئمة السلف قد أولوا هذه الصفة أو تلك، مثل ما قيل عن تأويل ابن عباس للساق وتأويل أحمد للمعية وغيرهما ...
بداية نقررأمرا ذا بال: وهو أن صحة المذهب يجب أن تتقرر من خلال أصوله ومنطلقاته لا من خلال مذاهب المخالفين .. أعني أن المنهج الصحيح لا يشيد على ردود الفعل وليس من الحصافة أن ننتظر ما سيقوله المخالف لنذهب بعدها إلى أن مذهب السلف هو عكس ما قيل من غير نظر أو تمحيص .. كأن مجرد مخالفة الخصم دليل على صحة القول!!
من هذا القبيل مشكلة التأويل!
إن خصوم منهج السلف بكل أطيافهم -من الصوفي العرفاني إلى الفيلسوف البرهاني- يُعملون جميعا التأويل في نصوص الشرع، فهل يسوغ هذا الإجماع المضاد منعَ التأويل ورفع شعار:"أهل السنة لا يؤولون وأهل البدعة يؤولون"؟.
إن السبيل الأسلم يقتضي تجاهل هؤلاء،والرجوع إلى الحقائق الثابتة وحدها، فإذا أسفر البحث الصحيح عن حقيقة تمسكنا بها وأدخلناها في مذهبنا،مطمئنين غير متذمرين، ولو قدر أن كانت هذه الحقيقة مما يقول به الخصوم ..
من هذا المنطلق نعلن أن التأويل هو قدر اللغة الإنسانية .. ولا يقبل من أي كان دعوى منع التأويل وعلى فرض أنه يدعيه نظريا فلا مناص من أن يتناقض عمليا ..
نقول هذا لأن اللغة الإنسانية قائمة على أساس من "التعدد الدلالي" فلا تكاد توجد كلمة لها معنى وحيد- وحسبك أن تتصفح أي معجم لتواجه هذه الحقيقة الثابتة-وتتكاثر الدلالات الممكنة مع توالي الكلمات والتراكيب .. ولما كانت الكلمة حمالة وجوه فقد انتصب التأويل شئنا أم أبينا .. فقولك أريد بهذه الكلمة هذا المعنى وليس ذاك هو التأويل بعينه ...
وتبقى المشكلة بعد ذلك تدور بين صواب تأويل أو خطئ تأويل .. أما التأويل نفسه فقدر غير مدفوع!
إن بعض المفكرين وأهل الصناعات-قديما وحديثا- قد ضاقوا ذرعا من هذه الخاصية في اللغة، وما نشأ عنها من سوء فهم وتنازع فيه،فابتكروا لغات رمزية اصطناعية-مثل لغة الحاسوب ولغة المنطق الرمزي- يكون للرمز فيها دلالة وحيدة لا يفهم منها إلا هي .. لكن هيهات أن تكون لغات البشر كذلك!!!
إن "التعدد الدلالي" يلزمه "وجوب التأويل" هذه حقيقة لا محيد عنها .. شريطة فهم التأويل- هنا -بمعنى ترشيح أوترجيح معنى بعينه وتقدير غيره معان ممكنة لكنها مرجوحة أو غير مرادة ..
فلا يقبل من أي شخص زعمه أن كلمة "يد" لا تعني -ولا يمكن أن تعني- إلا الجارحة في كل كلام العرب .. فتستوي عنده دلالة التعابير الآتية:
1 - أمسك عنان الحصان بيده
2 - فتل الحبل بيده.
3 - بيده الحل والعقد ..
4 - الأمر كله بيده.
إذا كانت اليد في 1 و2 تعني الجارحة ذات الأصابع فلا يمكن أن تكون بهذا المعنى في 3و4 ...
في 3 إذا دل السياق على أنها ليست في معنى 2 وأن الحل والعقد فيها معنوي فلا بد للتأويل أن يبحث عن اتساق لدلالة العبارة فيقرر أن الحل والعقد المعنوي لا يناسبه إلا يد معنوية ..
وفي المقابل فإن عبارة 2 في سياق كلام عن نساج حصائر لا يمكن لليد فيها إلا أن تكون الجارحة ..
وهكذا فإن تنميط الدلالات وتسطيحها لا يمكن أن يصدر عن عارف باللغة .. وأهل منع المجاز لا يقولون إن العبارات السابقة متساوية في دلالة اليد فيها –كما يقول عنهم من لم يخبر مذهبهم مع الأسف-وإنما يقولون إن اليد فيها تكتسب دلالتها من سياقها المخصوص .. فلا مانع من أن تكون اليد معنوية إذا دل السياق على ذلك فالعرب لها توسع في كلامها .. ولكنهم يمنعون القول إن هذه الكلمة وضعت لمعنى ونقلت إلى غيره وسندهم -غير القابل للدحض- أننا نعرف الاستعمال وتساوي مراتب الكلمات فيه ولا علم عندنا بالغيب فنقول وضعت هذه الكلمة لهذا المعنى أولا .. ثم نقلت إلى معنى لآخر فيما بعد تخرصا ورجما بالغيب!!
إذا تقرر هذا عدنا لنواجه السؤال المحتوم:
إذا كان التأويل ضرورة كما زعمتم فما الفرق بين أهل السنة وغيرهم من هذه الجهة! وهل نضرب عرض الحائط بنكير أئمة السلف عبر تاريخهم على المؤولة!!
نقول:
¥