تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[المفكرون الإسلاميون .. أين الخلل]

ـ[الموسى]ــــــــ[15 - 12 - 08, 10:03 ص]ـ

قال لي أحد الأصدقاء الفضلاء ..

حين تطالع فتاوى أئمة الاسلام الكبار على مر القرون الماضية، فإنك تتعجب من كونهم لايُسألون عن حكم واقعة معينة إلا استحضروا فيها نصاً قرآنياً أو نبوياً، إما (نص خاص) في عين المسألة، وإما (نص كلي عام) تندرج فيه هذه المسألة. فلاتفلت مسألةٌ ما من بين أيديهم إلا وأضاؤوها بنور الوحي.

وإذا أخذت تتجول في كتب (مفكري الاسلاميات) تتعجب من كثرة إلحاحهم على محدودية مضامين النصوص، وضيقها وقلة غنائها في الإجابة على إشكاليات الحياة المعاصرة، وأننا بحاجة إلى التفكير المجرد والنظر الحر، ونحو ذلك من الشعارات المزدحمة في تلك الكتب.

فتغلي بك التساؤلات الساخنة .. لأن كثيراً من هؤلاء المفكرين الذين يكتبون في (الاسلاميات) ليسوا أغبياء! بل بعضهم –والإنصاف واجب- يتسايل ذكاءً .. فكيف صار بعض من هو أقل منهم ذكاء يتمكن من الاستدلال بنصوص الوحيين بينما يحارون هم في الجواب؟!

وأحياناً كثيرة –وهذه وقعت لي كثيراً والله العظيم- أجدهم يستدلون بدليل بعيد، أو يحتاج لتكلف لإثبات دلالته، ويصادف أن يكون في المجلس أحد طلاب العلم –ممن يفوقونه ذكاءً- فيفاجئهم بدليل أقرب وأصرح وأدل، وأسلم من الاعتراضات! فترى الدهشة تعلوا وجوههم!

فكيف يدفعون بهذا الاتجاه؟ هل صغار المتفقهة أذكى منهم؟!

ووجدت تفسيراً لأبي العباس بن تيمية لهذه (الظاهرة الفكرية) .. يؤكد فيها أن من يحاول تصوير مضامين النصوص بالمحدودية فإنما ذلك انعكاس لـ (قلة خبرته بالنصوص) أصلاً .. وهو نتيجة طبيعية لـ (قلة الممارسة).

فالمسألة في جوهرها (فارق في الخبرة) كما يرى ابو العباس رحمه الله .. وليست (فارق في الذكاء) .. وقد نقل لنا شيئاً من خبرته الشخصية في ذلك.

يقول قدس الله روحه ونور ضريحه في كتابه الاستقامة:

(النصوص دالة على عامة الفروع الواقعة، كما يعرفه من يتحرى ذلك ويقصد الإفتاء بموجب الكتاب والسنة ودلالتها، وهذا يعرفه من يتأمل، كمن يفتى في اليوم بمائة فتيا أو مائتين أو ثلاثمائة، وأكثر أو أقل، وأنا قد جربت ذلك، ومن تدبر ذلك رأى أهل النصوص دائما أقدر على الإفتاء وأنفع للمسلمين في ذلك من أهل الرأى المحدث، فإن الذى رأيناه دائماً أن أهل رأى الكوفة من أقل الناس علما بالفتيا، وأقلهم منفعة للمسلمين، مع كثرة عددهم، وما لهم من سلطان وكثرة بما يتناولونه من الأموال الوقفية والسلطانية، وغير ذلك، ثم إنهم في الفتوى من أقل الناس منفعة، قل أن يجيبوا فيها، وإن أجابوا فقل أن يجيبوا بجواب شافٍ، وأما كونهم يجيبون بحجة فهم من أبعد الناس عن ذلك!)

ثم يشير ابن تيمية إلى أن بعض "الموهوبين" ضيعوا موهبتهم الشرعية بالإعراض عن تدبر نصوص الوحي وآثار السلف، كما يقول رحمه الله:

(ولقلة علم الجويني بالكتاب والسنة، وكلام سلف الأمة؛ يظن أن أكثر الحوادث ليست في الكتاب والسنة والإجماع ما يدل عليها، وإنما يعلم حكمها بالقياس، كما يذكر ذلك في كتبه ... ، ولا ريب أن سبب هذا كله ضعف العلم بالآثار النبوية والآثار السلفية، وإلا فلو كان لأبي المعالي وأمثاله بذلك علم راسخ وكانوا قد عضوا عليه بضرس قاطع لكانوا ملحقين بأئمة المسلمين، لما كان فيهم من الاستعداد لأسباب الاجتهاد، ولكن اتبع أهل الكلام المحدث والرأي الضعيف، للظن وما تهوى الأنفس الذي ينقل صاحبه إلى حيث جعله الله مستحقا لذلك، وإن كان له من الاجتهاد في تلك الطريقة ما ليس لغيره؛ فليس الفضل بكثرة الاجتهاد ولكن بالهدى والسداد)

فقلت له:

وفي المقابل حرص أعلام الفقهاء على الاستزاده من النصوص والتنقيب عليها فكانوا في الوقائع يحرصون على المسح الأولي للنصوص قبل الفتوى وإبداء الرأي ..

وقد صرح بهذا الإمام الشافعي رضي الله عنه حين خاطب الإمام احمد بقوله:

(أنتم أعلم بالحديث والرجال مني فإذا كان الحديث الصحيح فأعلموني به أي شيء يكون: كوفيا أو بصريا أو شاميا حتى أذهب إليه إذا كان صحيحا). (العلل)

وعلق شيخ افسلام على هذا الأثر

وهذا القول هو القول القديم للشافعي حتى روي أنه قيل له: إذا روى سفيان عن منصور عن علقمة عن عبد الله حديثا لا يحتج به فقال: إن لم يكن له أصل بالحجاز وإلا فلا ثم إن الشافعي رجع عن ذلك وقال لأحمد بن حنبل: أنتم أعلم بالحديث منا فإذا صح الحديث فأخبرني به حتى أذهب إليه شاميا كان أو بصريا أو كوفيا ولم يقل مكيا أو مدنيا لأنه كان يحتج بهذا قبل. (مجموع الفتاوى)

وقد انبنى على هذه المنهجية في المعرفة:

معيار التفاضل في العلم

الإمام ابن خزيمة ت 312 أخذ الفقه عن المزني. قال المزني: ابن خزيمة هو أعلم بالحديث مني، ولم يكن في وقته مثله في العلم بالحديث والفقه جميعاً.

وسئل ابن المبارك من أعلم أمالك أو أبو حنيفة؟ قال: مالك أعلم من أستاذي أبي حنيفة وهو إمام في الحديث والسنة وما بقي على وجه الأرض آمن على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من مالك ولا أقدم عليه أحدا في صحة الحديث ولم أر أحدا مثله.

وقال أبو عمر في أول التمهيد عن ابن مهدي: سئل من أعلم مالك أو أبو حنيفة؟ قال: مالك أعلم من أستاذي أبي حنيفة يعني حماد بن أبي سليمان.

قال الشافعي: قال لي محمد بن الحسن: رضي الله عنهما أيهما أعلم صاحبنا أم صاحبكم يعني أبا حنيفة أو مالكا؟

فقال: قلت: أعلى الإنصاف؟ قال: نعم

قال: قلت: فأنشدك الله من أعلم بالقرآن أصاحبنا أم صاحبكم؟

قال: اللهم صاحبكم.

قلت: فأنشدك الله من أعلم بالسنة صاحبنا أم صاحبكم؟

قال اللهم صاحبكم.

قال: قلت: فأنشدك الله من أعلم بأقاويل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المتقدمين أصاحبنا أم صاحبكم؟

قال اللهم صاحبكم

قال الشافعي قلت: فلم يبق إلا القياس والقياس لا يكون إلا على هذه الأشياء فعلى أي شيء تقيس؟!!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير