البرهان الرابع: أخبر القرآن أن الكفّار كان يسمون أصنامهم آلهة قالوا: (وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك) (1) ولم يخبر في آية أنهم قالوا لها أرباباً، فلو كان لا فرق بين اللفظين لسموها أرباباً كما سموها آلهة.
البرهان الخامس: الذي يحقن دم المشرك أن ينطلق بكلمة الإخلاص على - ألا يأتي بما ينقضها - وهذه الكلمة التي تحقن الدم هي لا إله إلا الله باتفاق المسلمين. ولا يعصمه أن يقول لا خالق إلا الله بإجماع المذاهب، ولو كان معنى الإله والرب واحداً لما عصم دمه أحد اللفظين دون الآخر) (2).
وهكذا يظهر - عبر تلك النقول لأئمة الدعوة وأنصارها - أن تقسيم التوحيد إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، والتفريق بينهما، أن ذلك تقسيم وتفريق تثبته الأدلة وتقرّره النصوص، ويشهد له أئمة العلم والهدى. فليس تقسيماً مبتدعاً - كما ادعاه أولئك الناس - استحدثه ابن تيمية أو ابن عبد الوهاب، بل الصواب والحق في هذا التقسيم والتفريق، والزيغ والضلال في الإعراض عنه، والاعتراض عليه، ومن ثم ظهر ما كان عليه الخصوم من الجهل بحقيقة التوحيد، وقصر التوحيد على توحيد الربوبية، حتى ظنّوا أن مشركي العرب قد أنكروا توحيد الربوبية، الذي يعتبرونه - هؤلاء الخصوم - غاية التوحيد.
ومن المناسب في نهاية هذا الفصل أن نذكر ماكتبه حسين بن مهدي النعمي رحمه الله حول إقرار مشركي العرب بتوحيد الربوبية، دون الإقرار بتوحيد العبادة يقول:
(ولقد تتبعنا في كتاب الله فصول تراكيبه، وأصول أساليبه، فلم نجده تعالى حكى عن المشركين أن عقيدتهم في آلهتهم وشركائهم التي عبدوها من دونه، أنها تخلق، وترزق، وتحي، وتميت، وتنزل من السماء ماء، وتخرج الحي من الميت، والميت من الحي .. بل إذا ضاق عليهم الأمر واشتدت بهم الكرب، فزعوا إلى الله وحده، فإذا سئلوا عن حقيقة دينهم هل هو شرك في الربوبية؟ دانوا وأذعنوا للرب وحده بالاختصاص بكل ذلك والإنفراد، وهذا واضح لمن ألقى السمع للقرآن فيما حكى عنهم بقوله: (قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون، سيقولون لله قل أفلا تذكرون، قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم، سيقولون لله قل أفلا تتقون .. ) (1) الآيات.
فهذا شرك القوم واتخاذهم الآلهة الذي كان سبباً أن سجّل عليهم ربهم القاهر فوق عباده بالشرك والغي والضلال والكفر والظلم والجهلة) (2).
ويقول النعمي في موضع آخر:
(ومن أمعن النظر في آيات الكتاب وما قصَّ من محاورات الرسل مع أممهم وجد أن أسّ الشأن، ومحط رحال القصد شيوعاً، وكثرةً وانتشاراً وشهرةً، هو دعاء الله وحده، وإخلاص العبادة له، وأن الغافلين كانوا بنقيض هذه الصفة من دون أن يضيفوا لما عبدوا شيئاً من صفات الربوبية كخلق ورزق وغيرهما، أو يجعلوا لها من ذواتها وصفاتها مقتضياً وملزماً للعبادة، بل أعربوا عن اتخاذها آلهة لتقريبهم إلى الله وشفاعتها عنده …)
ـ[أبو تراب السلفي]ــــــــ[24 - 10 - 08, 07:56 ص]ـ
قال الامام ابن بطة في كتابه " الابانة الكبرى باب بيان كفر الجهمية 5/ 475 ":
وذلك أن أصل الإيمان بالله الذي يجب على الخلق اعتقاده في إثبات الإيمان به ثلاثة أشياء:
أحدها: أن يعتقد العبد آنيته ليكون بذلك مباينا لمذهب أهل التعطيل الذين لا يثبتون صانعا.
الثاني: أن يعتقد وحدانيته، ليكون مباينا بذلك مذاهب أهل الشرك الذين أقروا بالصانع وأشركوا معه في العبادة غيره.
والثالث: أن يعتقده موصوفا بالصفات التي لا يجوز إلا أن يكون موصوفا بها من العلم والقدرة والحكمة وسائر ما وصف به نفسه في كتابه، إذ قد علمنا أن كثيرا ممن يقربه ويوحده بالقول المطلق قد يلحد في صفاته، فيكون إلحاده في صفاته قادحا في توحيده، ولأنا نجد الله تعالى قد خاطب عباده بدعائهم إلى اعتقاد كل واحدة في هذه الثلاث والإيمان بها
ـ[أبو تراب السلفي]ــــــــ[24 - 10 - 08, 09:10 ص]ـ
فالبعض قد يشكك في صحة التقسيم وينسبه الى النصارى!
ارجو الافادة
بالنسبة لصحة التقسيم فهو ليس صحيحا وفقط بل هو لازم. بل أن الله أوجب على كل مسلم فهم التوحيد على قسمين - وإن لم يلزم تسميتهما -
قال تعالى (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) فأثبت لذات النفس المشركة إيمان وشرك في آن. فقل لي بالله عليك كيف تفهم الآية إن لم يكن هناك توحيد أتوا به فصاروا مؤمنين بالله، وتوحيد جحدوه فكانوا بالله مشركين؟!
والله أعلم