رسالته ودعوته وهي القرآن الكريم الذي أُمِر بتبليغه.
فالحاصل .. أنه قال: [أرجو أن أكون أكثرهم تابعاً]، وفي حديث سمرة قال: [لأرجو أن أكون أكثرهم وارداً] فحقق الله له هذا الرجاء.
وحديث سمرة كما قلنا رواه الترمذي، وقد قال عنه: غريب، وغرائب الترمذي لا تسلم من مقال فهي ضعيفة والسبب في هذا أن الحسن البصري عليه رحمة الله عنعن الحديث عن سمرة أي رواه بصيغة عن ولم يصرح بالسماع، وفي سماع الحسن عن سمرة اختلاف، وأئمة الحديث على ثلاثة أقوال في ثبوت سماعه من سمرة:
1 - لم يسمع منه مطلقاً.
2 - سمع منه مطلقاً.
3 - وهو المعتمد، سمع منه حديث العقيقة، وقد صرح في سنن النسائي بأنه سمع حديث العقيقة من سمرة بن جندب رضي الله عنه.
والحسن مدلس بالاتفاق وقد عنعنه – كما ذكرنا – ورواية المدلس إذا لم تكن بصيغة السماع فهي محمولة على الانقطاع، فالسند إذن منقطع بين سمرة وبين الحسن.
كما أن الحسن رفعه في بعض الطرق إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأسقط سمرة فصار إذن مرسلاً لأن المرسل هو مرفوع التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
مرفوع تابع على المشهور ? مرسل أو قيده بالكبير
كما قال هذا الإمام عبد الرحيم الأثري العراقي في ألفيته المشهورة.
وقوله (أو قيده بالكبير) فهذا قول آخر في تعريف المرسل وهو أن التابعي لابد أن يكون كبيراً، من كبار التابعين لا من أوسطهم ولا من صغارهم.
والمعتمد أن التابعي صغيراً كان أو كبيراً، إذا رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهو حديث مرسل، فالحسن إذن أسقط سمرة رضي الله عنه، ولذلك قال الترمذي: وورد أن الحسن لم يذكر سمرة فهذا مرسل وهو أصح.
والرواية المرسلة رواها ابن أبي الدنيا بإسناد صحيح إلى الحسن، أن الحسن البصري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إن لكل نبي حوضاً ... ] الحديث.
لكن مراسيل الحسن – كما يقول أئمتنا -، أشبه بالريح لا يعول عليها ولا يأخذ بها، لأنه كان لا يبالي عمن أرسل بخلاف مراسيل سعيد بن المسيب فهذه كلها يأخذ بها، حتى مَنْ ردَّ المرسل أخذ بمراسيل سعيد بن المسيب كالإمام الشافعي عليه رحمة الله.
فإن سعيد بن المسيب كان يسمع من عمه والد زوجته أبي هريرة أحاديث ويحدث عنه أحياناً، ويسقطه ولا يصرح به أحياناً أخرى لاعتبارات، منها أمور سياسية، فقد ينقل عنه سعيد رواية تتعلق بأمور العامة فلا يصرح بها بإضافتها لأبي هريرة لئلا تصبح هناك مشاكل وابتلاءات كما هو الحال في العصور التي جاءت بعد عصور الخلفاء الراشدين، وهذا من جملة أغراض التدليس حذف الصحابي أو الشيخ الذي أخذ عنه التلميذ فيسقطه لأن حوله ما حوله من الاعتبارات، وكأنه يقول لئلا ندخل في مشاكل مع الدولة، فنرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونسقط الواسطة (أبا هريرة) لئلا يُستدعى ويحقق معه وما شاكل هذا.
وفعلا ً كان أبو هريرة يحفظ أحاديث فيها الإشارة إلى ذم بني أمية، فعلم سعيد بن المسيب أنه إذا حدث بها وسمى أبا هريرة، فهذا سيجر بلاءً عليه – أي على عمه – وقد كان أبو هريرة رضي الله عنه – كما في صحيح البخاري - يقول: [حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم وعاءين، أما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم] أي لقطعت رقبتي، وهذا الذي كتمه لا يتعلق بالأحكام العملية، لأنه لو كان في الأحكام العملية لبثه أبو هريرة ولم يكتمه وهو يعلم وزر كتمان العلم، إنما كان ما يكتمه هو شيء فيه الإشارة إلى ذم الأمراء الذين سيأتون بعد معاوية وأولهم الفاسق المشهور يزيد بن معاوية الذي جاء وأفسد في دين الله، وفعل ما فعل ويكفيه عاراً وشناراً قتل الحسين ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم [قلت: لم يثبت بأي سند صحيح هذا الأمر، وقد ألف في هذه الرسالة]، ولذلك كان أبو هريرة يستعيذ بالله من رأس الستين وإمرة الصبيان قبل أن يأتي رأس الستين، فمات رضي الله عنه عندما قبل رأس الستين وسلم من الفتن التي جاءت بعد الستين.
سعيد بن المسيب عندما يروي الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسقطاً الواسطة ففي الغالب هو أبو هريرة، وقد تتبع أئمتنا مراسيل سعيد فوجدوها موصولة من طرق ثابتة وصحيحة عن الصحابة؛ ولذلك احتجوا بمراسيله.
¥