5. وقيل للإمام أبي مصعب أحمد بن بكر القاسم الزهري (ت242هـ/857م): "إنَا قبلنا رجلا في بغداد يقول: لفظه بالقرآن مخلوق، فقال: هذا كلام خبيث نبطي".
6. قال الإمام ابن جرير الطبري: "وأمَا القول في ألفاظ العباد بالقرآن فلا أثر فيه نعلمه عن صحابي مضى ولا عن تابعي قضى، إلاَ عن من في قوله الشفا والغنى وفي إتباعه الرشد والهدى، ومن يقوم لدينا مقام الأئمَة الأولى: أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، فإنَ أبا إسماعيل الترمذي حدثني قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: اللفظية جهميَة، قال الله تعالى: "حتى يسمع كلام الله"، ممَن يسمع؟
قال ابن جرير: وسمعت جماعة من أصحابنا لا أحفظ أسماءهم يحكون عنه أنَه كان يقول: من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال غير مخلوق فهو مبتدع.
قال ابن جرير: ولا قول عندنا في ذلك يجوز أن نقوله غير قوله إذ لم يكن لنا إمام نأتمَ به سواه وفيه الكفاية والمقنع وهو الإمام المتَبع.
وقال أبو داوود: سمعت إسحاق بن راهويه سئل عن اللفظية فبدّعهم.
وقال الحافظ أبو عبد الله بن يحيى الذهلي النَيسابوري: ومن زعم أنَ لفظي بالقرآن مخلوق فهذا مبتدع لا يجالس ولا يكلَّم، وبمثله قال الإمام الفقيه إبراهيم بن خالد أبو ثور الكلبي البغدادي.
وأئمَة السلف رحمهم الله لمَا أطلقوا القول بالتجهيم على من قال: لفظي بالقرآن مخلوق إنَما أرادوا من قصد بقوله هذا القرآن الذي هو كلام الله المسطور المكتوب الملفوظ فإنَ من قال هذا فهو جهمي، أمَا من قال لفظي بالقرآن مخلوق وأراد به فعل العبد القائم به الذي هو حركته وصوته، فهذا لا يجهّم ولا يبدّع لأنَ إطلاق هذا القول غير جائز لما يوقع فيه من المحذور الموهم للمعنى الثاني، قال الإمام أحمد: "كلَ من يقصد إلى القرآن بلفظ أو غير ذلك يريد به مخلوق فهو جهميَ، فاحترز بقوله "يقصد إلى القرآن" عن تكفير من قال لفظي بالقرآن مخلوق ويريد به حركته وصوته به لا نفس الكلام الملفوظ المقروء.
قال الذهبي معقَبا على كلام الإمام أحمد في الكرابيسي: "ولا ريب أنَ ما ابتدعه الكرابيسي وحرَره في مسألة التلفظ وأنَه مخلوق هو حقَ، لكن أباه الإمام أحمد لئلاَ يتذرع به إلى القول بخلق القرآن فسدَ الباب لأنَك لا تقدر أن تفرز التلفظ من الملفوظ الذي هو كلام الله إلاَ في ذهنك"، وقال أيضا: "وكان يقول (الكرابيسي): القرآن كلام الله غير مخلوق ولفظي به مخلوق فإن عنى التلفظ فهذا جيد، وإن عنى ألفاظنا مخلوقة وإن قصد الملفوظ بأنَه مخلوق فهذا الذي أنكره أحمد والسلف وعدَوه تجهَما ومقت النَاس حسينا لكونه تكلَم في أحمد".
قال ابن القيم: "وأمَا الفريق الثاني (اللفظية النافية) أصابوا في قولهم: إنَ أصوات العباد وتلاوتهم وقراءتهم وما قام بهم من أفعالهم وتلفظهم بالقرآن وكتابتهم له مخلوق، وأخطأوا في قولهم هذا القرآن العربي الذي بلّغه رسول الله صلَى الله عليه وسلَم عن الله مخلوق، ولم يكلَم به الربَ ولا سمع منه، وأنَ كلام الله هو المعنى القائم بنفسه ليس بحروف ولا سور ولا آيات، ولا له بعض ولا كلَ وليس بعربي ولا عبراني، بل هذه عبارات مخلوقة تدلَ على ذلك المعنى.
أمَااللفظية المثبتة: فهم كما قدَمنا القائلون بأنَ ألفاظنا بالقرآن غير مخلوقة، وأنَ التلاوة هي المتلو والقراءة هي المقروء والكتابة هي المكتوب، ومرادهم أنَ القرآن المسموع غير مخلوق وليست مرادهم صوت العبد، كما يذكر ذلك عن أبي حاتم الرازي وأبي زرعة الرازي ومحمد بن يحيى الذهلي والمحدَث أبو جعفر محمد بن داود المصيصي وغيرهم وهم يريدون بقولهم هذا أيضا الردَ على اللفظية النافية القائلين: ألفاظنا بالقرآن مخلوقة.
ولكنَهم حيث أطلقوا هذه المقالة -مع صحة مرادهم- جاء من بعدهم أقوام وافقوهم في إطلاق اللفظ، وأدخلوا في ذلك صوت العبد أو فعله ومنهم من وقف فيه وسبب ما أوقفهم في ذلك إطلاقهم القول: إنَ التلاوة هي المتلو والقراءة هي المقروء، ففهم ذلك بعض الأئمَة فصاروا يقولون: أفعال العباد وأصواتهم مخلوقة ردا على
هؤلاء كما فعل المحدث إسماعيل البخاري والحافظ أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي (ت294هـ/907م) وغيرهما أهل العلم والسنَة.
¥