تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الوجه الثالثُ: أن دعوى المُدَّعِي أنَّ الجُمهُور إنَّمَا يلزمُهُم تجدُّد الإضافاتِ والأحوال والأعدامِ، لا تجدُّدُ الحادثِ الذي وُجِدَ بعد العدم ذاتاً كان أو صفة؛ دعوى ممنوعةٌ لم يَقِم عليها دليلاً بل الدليلُ يدلُّ على أنَّ أولئك الطوائفَ يلزمُهُم قيامُ أمُورٍ وجوديَّةٍ حادثةٍ بذاتِهِ.

مثالُ ذلك: أنَّهُ سبحانهُ وتعالى يسمعُ ويرى ما يخلُقُ من الأصواتِ والمرئيَّاتِ، وقد أخبرَ القرآنُ بحدُوث ذلك في مثل قولِه: ? وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ? [التوبة:105]، وقوله تعالى: ? ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ? [يونس: 14].

وقد أخبر بسمعِهِ ورؤيته في مواضع كثيرة كقوله لموسى وهارون: ? إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ? [طه: 46]، وقوله: ? الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ? [الشعراء: 218 - 219]، وقوله: ? لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ? [آل عمران:181]، ? قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ ?.

فيُقَالُ لهؤلاء: أنتُم معترفونَ - وسائرُ العقلاءِ - بما هو معلومٌ بصريحِ العقلِ أن المعدُومَ لا يُرَى موجُودَاً قبلَ وجودِه، فإذا وُجِد فرآه موجوداً وسمعَ كلامه، فهل حصل أمرٌ وجوديٌّ لم يكن قبلُ أو لم يحصل شيء؟

فإن قيلَ: لم يحصُل أمرٌ وجوديٌّ، وكان قبل أن يخلُقَ لا يراهُ؛ فيكونُ بعد خلقِه لا يراهُ أيضاً!

وإن قيل: حصلَ أمرٌ وجوديٌّ، فذلك الوجوديُّ إمَّا أن يقُوم بذاتِ الربِّ وإمَّا أن يقوم بغيرِه:

فإن قام بغيرِهِ لزمَ أن يكونَ غيرُ الله هو الذي رآه.

وإن قامَ بذاته عُلِم أنه قام به رؤيةُ ذلك الموجود الذي وُجِد كما قال تعالى: ? وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ?

وما سمَّوُه إضافاتٍ وأحوالاً وتعلقاتٍ وغيرَ ذلك، يُقالُ لهم: هذه أمورٌ موجودةٌ أو ليست موجودةً؟

فإن لم تكن موجودةً (6) فلا فرق بين حالِهِ قبل أن يرى ويسمع، وبعد أن يرى ويسمعَ، فإن العدمَ المستمرَّ لا يوجبُ كونه صار رائياً سامعاً.

وإن قُلتُم: بل هي أمورٌ وجوديَّةٌ فقد أقررتم بأن رؤيةَ الشيء المعينِّ لم تكُن حاصلةً ثُمَّ صارت حاصلةً بذاتِه، وهي أمرٌ وجوديٌّ " (7).

الوجه الرابع: يجاب أيضاً عن قوله بأن التغير واقع في الصفات الإضافية دون النوعين الآخرين، بما قاله الرازي في نهاية العقول: " الفصل التاسع: في أن الصفات هل يجب تغيُّرها بتغيُّر المتعلقات؟

اللائقُ بأصولِ أصحابنا أن لا نحكُم بذلك، ولكن فيه إشكالٌ، وهو أن تغيُّرَ المتعلقات إما أن يكون لأمرٍ أو لا لأمرٍ.

والثاني محال، لأن المتجدد لا بد له من مؤثر، وذلك المؤثر إما أن يكون هو التعلق أو المتعلق أو شيءٌ منفصلٌ.

فإن كان الأول فهو المطلوب.

وإن كان الثاني فهو محالٌ لأن تغير المتعلق تابع لتغير التعلق، فإن كان تغير التعلق تابعاً لغير المتعلق لزم الدور.

والثالث محالٌ، لأنَّ الأمر المنفصلَ الذي لا تعلُّقَ له بذلك التعلُّق يستحيلُ أن يُجعلَ تغيرُّه سبباً لتغيُّر التعلُّق.

وهذا مأخذ عظيم، يتنبه منه على إشكالات عظيمة " (8).

الوجه الخامس: أن الهندي علل اعتراضه على الرازي بقوله: " لأنَّ أكثر ما ذكر من تلكَ الأمور فإنَّ ما هي أمورٌ متجدِّدَة لا مستحدَثة ولم يقل: " جميع ما ذكر ومفهوم قوله: أن الأقلَّ أمورٌ مستحدثة، وهذا تسليمٌ بحدوثِ بعض ما ذكرهُ الرازيُّ، وهو كافٍ في إلزامهم القولَ بحلولِ الحوادث.

ولم يذكر الرازي سوى خمسةَ أمورٍ، وقوله: " أكثرُها " يصدقُ على ثلاثةٍ أو أربعةٍ منها، ويبقى واحدٌ أو اثنانِ من الأمورِ المستحدثةِ، وذاك كاف في الإلزام.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير