فيها إلى طريقة السلف، وتسليم ما ورد على الوجه اللائق بجلال الله سبحانه. [البداية والنهاية (13/ 55)]
فيا ليت من انحرف عن طريق السلف الصالح أهل السنة والجماعة أن يتوب إلى الله ويرجع إلى ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ويفعل مثل ما فعل هؤلاء من التوبة والندم والرجوع إلى ذلك.وقد تأثر كثير من تلاميذ الرازي بحاله الأول حال الحيرة والشك، فمنهم تلميذه شمس الدين عبدالحميد الخسروشاهي المتوفى سنة 652 هـ حيث قالَ لما دخلَ عليه بعض الفُضلاء قال له شمس الدين ((: ما تعتقد؟ فقال له الرجل: ما يعتقده المسلمون، فقال له: وأنت منشرح الصدر لذلك مستيقن به؟! فقال الرجل: نعم، قال له: اُشكر الله على هذه النعمة، ولكني والله ما أدري ما أعتقد والله ما أدري ما أعتقد والله ما أدري ما أعتقد، وبكى حتى أخضل لحيته. [شرح العقيدة الطحاوية (1/ 245 –246)]
الآمدي
وأما الآمدي فقد كانت الحيرة والشك تغلب عليه حتى اعترف هو بذلك، قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية: والآمدي تغلب عليه الحيرة والوقف في عامة الأصول الكبار، حتى أورد على نفسه سؤالاً في تسلسل العلل وزعم أنه لا يعرف عنه جواباً، وبنى إثبات الصانع على ذلك، فلا يُقرر في كتبه
لا إثبات إلا لصانع ولا حدوث العالم ولا وحدانية الله ولا النبوات ولا شيئاً من الأصول الكبار التي يحتاج إلى معرفتها. [مجموع الفتاوى (5/ 562)]
الشهرستاني
أبو الفتح محمد بن القاسم بن عبدالكريم الشهرستاني المتوفى سنة 548هـ.
كان الشهرستاني من عُلماء الأشاعرة المتكلمين وقد اعترف في آخر ما حصله من ذلك بالحيرة والشك، وأن جميع من أخذ عنهم من أولئك كانوا أيضاً في حيرة تظهر عليم في غالب أحوالهم، فقال عن نفسه في كتابه نهاية الإقدام في علم الكلام: … فقد أشار إلى من إشارته غُنم، وطاعته حَتم، أن أجمع له مشكلات الأصول، وأحل له ما انعقد من غوامضها على أرباب العقول، لِحُسن ظنه بي أني وقفت على نهايات النظر، وفُزتُ بغايات مطارح الفِكَر، ولعلَّهُ استسمن ذا ورم، ونفخ في غير ضرم، ثم أنشد بعد هذا قوله:
لعمري لقد طُفتُ المعاهد كلها وسيرتُ طرفي بين تلك المعالمِ فلم أر إلا واضعاً كفَّ حائرٍ على ذقنٍ أو قارعاً سن نادمِ [نهاية الإقدام ص 1 –2]
وقد ردَّ عليه الإمام العلامة محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني بقوله:
لعلكَ أهملتَ الطوافَ بمعهدِ الرسولِ ومن لاقاهُ من كلِّ عالِمِ فما حارَ من يُهدى بهديِّ محمدٍ ولستَ تراهُ قارعاً سِنَّ نادِمِ [حاشية درء تعاض العقل والنقل، تحقيق د: محمد رشاد سالم (1/ 159)]
ولا شكَّ أن من وصل حالهُ إلى تلك الحيرة والشك – إن لم يتداركه الله برحمته – أنه يُصبح زنديق ضال مضل، كما هي حال الزنادقة.
وهناك غير هؤلاء ممن اعترف بحيرته على سلوك هذا الطريق فمنهم:
محمد بن نامور أبو عبدالله الخونجي المتوفى سنة 646 هـ فقد قال عند موته: ما عرفت مما حصلتُه شيئاً سِوى أن الممكن يفتقر إلى المرجح، ثم قال: الافتقار وصفٌ سلبيٌّ أموت وما عرفت شيئاً. [شرح الطحاوية المصدر السابق]
محمد بن سالم بن واصل الحموي المتوفى سنة 697 هـ، أحد المتأخرين وأبرعهم في الفلسفة والكلام، كان يقول: أستلقي على قفاي وأضع المِلحفة على نصف وجهي، ثم أذكر المقالات وحُجج هؤلاء وهؤلاء، واعتراض هؤلاء وهؤلاء حتى يطلع الفجر ولم يترجح عندي شيء. [مجموع الفتاوى (4/ 28)]
الإمام العلامة ابن دقيق العيد أبو الفتح القُشيري المتوفى سنة 702 هـ، وإن كان رحمه الله ليس مثلهم من جهة العلم والعمل لكنه ندم على سلوكه سبيل أولئك الأشاعرة المتكلمين المخالفين للسلف، والمخالفين حقيقةً لأبي الحسن الأشعري المنتسبين إليه،
قال عنه الإمام الذهبي: وقد كان شيخُنا أبو الفتح القُشيري يقول:
تجاوزتُ حَدَّ الأكثرينَ إلى العُلا وسافرتُ واستبقيتهم في المفاوزِ
وخُضتُ بحاراً ليسَ يُدركُ قعرها وسيرتُ نفسي في قَسِيمِ المفاوزِ
ولَجَجْتُ في الأفكارِ ثم تراجعَ اختياريْ إلى استحسانِ دينِ العجائزِ [العلو للعلي الغفار، للإمام الذهبي ص 188]
¥