تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والجوابُ: أنَّهُ لا يُقَالُ هذا إلَّا لمنْ كان عاجزًا عن قهرِ شيءٍ ثمَّ قهرهُ واستولى عليهِ، واللهُ سبحانه قاهرٌ ومُسْتَولٍ على كلِّ شيءٍ.

ثمَّ نقلَ كلامَ ابنِ الأعرابيِّ في إبطالِ تفسيرِ الاستواءِ بالاستيلاءِ ثمَّ قالَ:

ولو كانَ ما ذكروهُ صحيحًا لجازَ أنْ يُقالَ: إنَّ الله مُسْتَوٍ على الحشوشِ والأمكنةِ التي يرغبُ عنْ ذكرِهَا لأنَّهُ مُسْتَولٍ عليهَا، ولو كانَ كذلكَ لم يَكُنْ لذكرهِ للعرشِ معنًى.

وأمَّا الأشعريةُ فقالوا: إذا قلتم إنَّه على العرشِ أفضى إلى أنَّهُ يكونُ محدودًا أو أنَّهُ يفتقرُ إلى مكانٍ وجهةٍ تحيطُ بهِ، وتعالى الله عنْ ذلكَ.

والجوابُ: أنَّا وإنْ قلنا إنَّهُ على العرشِ كمَا أخبرَ بكتابهِ وأخبرَ بهِ نبيُّه صلى الله عليه وسلم فلا نقولُ إنَّهُ محدودٌ، ولا إنَّهُ يفتقرُ إلى مكانٍ، ولا تحيطُ بهِ جهةٌ ولا مكانٌ، بل كانَ ولا مكانَ ولا زمانَ ثمَّ خلقَ المكانَ والزمانَ، واستوى على العرشِ بلا كيفيَّةٍ، ولم يخلقِ العرشَ لحاجتهِ إليهِ، بلْ كما حُكِيَ عنْ ذي النونِ المصريِّ لمَّا قيل لهُ: ما أرادَ اللهُ بخلقِ العرشِ؟ فقالَ: أرادَ اللهُ أنْ لا تتيهَ قلوبُ العارفينَ ولم يَخْلُقْهُ لحاجتهِ إليهِ، فإذا قيلَ للعبدِ المؤمنِ أينَ اللهُ؟ قال: عَلَى العَرْشِ» [43].

100 - الشيخُ عبدُ القادر (562هـ)

قَالَ شيخُ الإسلامِ سيِّدُ الوعَّاظِ عبد القادر الجيلي الحنبلي شيخ العراق فِي كتاب «الغنية»:

«وَهُوَ بِجِهَةِ العُلُوِّ، مُسْتَو عَلَى العَرْشِ، محتوٍ عَلَى الملكِ محيطٌ عِلْمُهُ بالأشياءِ {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10]، {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ *} [السجدة: 5].

واللهُ تَعَالَى عَلَى العَرْشِ وَلاَ يَخْلُو منْ عِلْمِهِ مكانٌ، وَلاَ يجوزُ وصفهُ بأنَّهُ فِي كلِّ مكانٍ، بلْ يقالُ: إنَّهُ فِي السَّمَاءِ عَلَى العَرْشِ، كَمَا قَالَ جلَّ ثناؤهُ: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5]، وقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54]، وقال تَعَالَى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10].

وينبغي إطلاقُ صفةِ الاسْتِوَاءِ منْ غيرِ تأويلٍ، وأنَّهُ اسْتِوَاءُ الذَّاتِ عَلَى العَرْشِ لاَ عَلَى معنى القعودِ والمماسةِ كَمَا قالتِ المجسِّمَةُ والكرَّاميةُ، وَلاَ عَلَى معنى العُلُوِّ والرِّفْعَةِ كَمَا قالتِ الأشعريَّةُ، وَلاَ عَلَى معنى الاستيلاءِ والغَلَبَةِ كَمَا قالتِ المُعْتَزِلَةُ، لأنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بذلكَ وَلاَ نُقلَ عنْ أحدٍ منَ الصَّحابةِ والتَّابعينَ مِنَ السَّلفِ الصَّالحِ مِنْ أصحابِ الحديثِ ذلكَ، بلِ المنقولُ عنهم حَمْلُهُ عَلَى الإطْلاَقِ.

وكَوْنُهُ عزَّ وجلَّ عَلَى العَرْشِ مذكورٌ فِي كلِّ كتابٍ أُنزلَ عَلَى كلِّ نبيٍّ أُرسلَ بلا كَيْفٍ، ولأنَّ اللهَ تَعَالَى فيما لَمْ يَزَلْ موصوفٌ بالعلوِّ والقدرةِ، والاستيلاءِ والغَلَبَةِ عَلَى جميعِ خلقهِ مِنَ العرشِ وغيرهِ، فلا يحملُ الاسْتِوَاءُ عَلَى ذلكَ، فالاستواءُ منْ صفاتِ الذَّاتِ بعدَ مَا أخبرنا بِهِ ونصَّ عَلَيهِ وأكَّده فِي سبعِ آياتٍ من كتابهِ، والسنَّةُ المأثورةُ بِهِ وَهُوَ صفةٌ لازمةٌ لهُ وَلاَئقةٌ بِهِ كاليدِ والوجهِ والعينِ والسَّمعِ والبصرِ والحياةِ والقدرةِ، وكونهُ خالقًا ورازقًا ومحييًا ومميتًا موصوفٌ بِهَا، وَلاَ نخرجُ مِنَ الكتابِ والسنَّةِ. نقرأُ الآيةَ والخبرَ ونؤمنُ بِمَا فيهما، ونكلُ الكيفيَّةَ فِي الصِّفاتِ إِلَى علمِ الله عزَّ وجلَّ. ولمْ نتكلَّف غيرَ ذلكَ، فإنَّهُ غيبٌ لاَ مجالَ للعقلِ فِي إدراكهِ، ونسألُ الله تَعَالَى العفوَ والعافيةَ، ونعوذُ بِهِ مِنْ أنْ نقولَ فيهِ وفي صفاتهِ مَا لَمْ يخبرنَا بِهِ هُوَ أَوْ رسولهُ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ» [44].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير