تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وحقيقةُ الأمر أن السنوسي موَّه بذكرهم أن تهمته التي اتَّهم بها ظواهرَ الكتاب والسنة تهمةٌ صحيحة، فها هم الثنوية وقعوا في شركِهِم من أجل أخذهم بظاهر هذه الآيةِ، وهذا يكفي لجعلِ ظواهر النصوص في قفص الاتهام، وجعلِ الأخذ بها من أصولِ الكُفر والبدَع!

والحق أن الثنويةَ لا هم استدلُّوا بهذه الآية، ولا ظاهرُها يدلُّ على ما نسبَهُ إليهم من الاستدلالِ، لكن ذريعتُهُ هذه كالذَّرائع التي يتَّخذُها الغزاة الظلمة إذا أرادوا الاعتداء على بلد، فيقولون لأهله: إن فلاناً منكم فعل كذا وكذا فأنتم أصل البلاء والتهديد لدولتنا، ولا بُدَّ أن تناولُوا أشدَّ العذابِ والنَّكالِ!!

السابعة: بقي أصل واحد: وهو الإيجاب الذاتي وسأتكلم عليه لاحقاً إن شاء الله تعالى.

وقد استطردت في الكلام على ما ذكرَهُ السنوسيُّ – بما قد يكونُ خارجاً عن محل البحث – لأنَّنِي لم أعثُر على كلامٍ لأحدٍ من أهل السنة في نقضِ كلامه، ولو وجدتُّه لاكتفيت بالإحالةِ عليهِ.

وبهذه الأمثلة يتبيَّنُ أنَّ الأشعرية وإن كانُوا قد قرَّرُوا أن التكفيرَ حُكمٌ شرعيٌّ، فقد نقض بعض أئمتهم أصلَهُم هذا في أكثرِ من موضع، حتى إن بعضهم – سيما أهل التعصب منهم - يجعلون معيارَ التكفير والتبديع موافقةَ أصولهم أو مخالفتَها، حتى قال فيهم ابن القيم:

وجعلتم التكفير عين خلافِكُم = ووفاقُكُم فحقيقةُ الإيمان

فوفاقكم ميزانُ دينِ الله لا = من جاء بالبُرهانِ والفُرقان

ميزانكم ميزان باغ جاهل = والعولُ - كلُّ العول - في الميزان

أهون به، ميزانُ جَورٍ عائلٌ = بيدِ المُطفِّفِ ويلَ ذا الوزَّان

لو كان ثَمَّ حيا وأدنى مسكةٍ = من دينٍ او علم ومن إيمان

لم تجعلوا آراءكم ميزانَ كفـ = ـر الناس بالبُهتانِ والعُدوان

هبكم تأولَّتُم وساغ لكم أيك=فرُ من يخالفكم بلا برهان؟!

هذه الوقاحةُ والجراءة والجها = لةُ ويحكم يا فرقةَ الطُّغيان

الله أكبر ذا عقوبةُ تا = رك الوحيين للآراءِ والهذيان (33)

ثم قال:

الكفر حق الله ثم رسوله = بالشرع يثبتُ لا بقولِ فلانِ

من كان ربُّ العالمين وعبدُهُ = قد كفَّرَاهُ فذاك ذو الكُفرَانِ

فهلُمَّ ويحكُمُ نحاكمْكُم إلى الـ= وحيين من خبرٍ ومن قُرآنِ

وهناك يُعلَمُ أيُّ حزبينا على = الكُفرانِ حقَّاً أو على الإيمانِ (34)

وبالله التوفيق.


(1) الاقتصاد، وانظر بقية كلامه هناك.
(2) هي أسئلة سألها عبد الحق الصقلي للجويني في مكة لما جاءها حاجاً للمرة الثانية، قال ابن فرحون في الديباج (275): " ولقي - بمكة إذ ذاك - إمامَ الحرمين أبا المعالي فباحثَهُ عن أشياء، وسألَهُ عن مسائلَ أجابه عنها أبو المعالي، هي مشهورة بأيدي الناس "، وهذه الأجوبة معروفة عند المغاربة، أشار إليها القاضي عياض في الشفا في إكفار المتأولين (2/ 277)، وأثبتها الونشريسي في المعيار المعرب (11/ 231 - 248) ووقع فيه خطأ في اسم أبي المعالي إذ سماه عبد العلي، وقد أطبق المترجمون لأبي المعالي على أن اسمه عبد الملك.
(3) المعيار المعرب (11/ 244 - 245).
(4) المعيار المعرب (11/ 245).
(5) التسعينية (1/ 187).
(6) المعيار المعرب (11/ 246 - 247).
(7) سبق نقل كلامه في الحلقة السابقة.
(8) وهذا لفظ ما طلبوه منه في ورقة بعثوها إليه:" الَّذِي نَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَعْتَقِدَهُ أَنْ يَنْفِيَ الْجِهَةَ عَنْ اللَّهِ وَالتَّحَيُّزَ، وَأَنْ لَا يَقُولَ إنَّ كَلَامَ اللَّهِ حَرْفٌ وَصَوْتٌ قَائِمٌ بِهِ بَلْ هُوَ مَعْنًى قَائِمٌ بِذَاتِهِ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يُشَارُ إلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ إشَارَةً حِسِّيَّةً، وَنَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِأَحَادِيثِ الصِّفَاتِ وَآيَاتِهَا عِنْدَ الْعَوَامّ، وَلَا يَكْتُبُ بِهَا إلَى الْبِلَادِ، وَلَا فِي الْفَتَاوَى الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا "، وقد أجابهم ابن تيمية عن ورقتهم هذه بكتابه المعروف بالتسعينية وهو مطبوع قي ثلاثة مجلدات، أما نفي التحيز والجهةِ فأجاب عنه من ثلاثة عشر وجهاً (1/ 187 - 227)، ولم يبسط القول في هذه المسألة كما بسطها في مسألة الكلام النفسي، والسبب في ذلك أنه كان قد كتب في هذه المسألة بالتفصيل في رده على الرازي المسمى بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية، فاكتفى بالإحالة
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير