قالَ عُمَرُ بنُ عَلِيِّ بْنِ عَادِلٍ الدِّمَشْقِيُّ الحَنْبَلِيُّ (ت: 880هـ): (وَذَهَبَ قَوْمٌ: أنَّ الْمُرَادَ بالناسِ هُنَا الْجِنُّ، سُمُّوا بِذَلِكَ نَاسًا كَمَا سُمُّوا رِجَالا في قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ} [الْجِنِّ: 6] وكَمَا سُمُّوا نَفَرًا في قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ} [الأَحْقَافِ: 29].
فعَلَى هَذَا يَكُونُ "وَالنَّاسِ" عَطْفًا عَلَى "الْجِنَّةِ" ويَكُونُ التَّكْرِيرُ لاخْتِلافِ اللَّفْظَيْنِ.
وقِيلَ: مَعْنَى: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ} أَيِ: الْوَسْوَسَةِ الَّتِي تَكُونُ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ، وهُوَ حَدِيثُ النَّفْسِ.
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللَّهَ –عَزَّ وَجَلَّ- تَجَاوَزَ لأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ بِهِ))). [اللباب: 20/ 580]
قَالَ بُرْهَانُ الدِّينِ إِبْرَاهِيمُ بنُ عُمَرَ البِِقَاعِيُّ (ت: 885هـ): ({فِي صُدُورِ النَّاسِ} أي: المُضْطَرِبِينَ إِذا غَفَلُوا عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ، فَإِنَّهَا دَهَالِيزُ القلوبِ، منها تَدْخُلُ الوَارِدَاتُ إِليها، وَذلكَ كالقُوَّةِ الوَهْمِيَّةِ، فإِنَّ العقلَ يُسَاعِدُ في المُقَدِّمَاتِ الحَقَّةِ المُنْتِجَةِ للأمرِ المقطوعِ بهِ، فإِذا وَصَلَ الأمرُ إِلى ذلكَ خَنَسَت الواهِمَةُ رَيْثَمَا يَفْتُرُ العَقْلُ عَنِ النَّتِيجَةِ فَتْرَةً مَا، فَتَأْخُذُ الوَاهِمَةُ فِي الوسوسةِ وَتَقْبَلُ مِنْهَا الطبيعةُ بما لَهَا بها مِنْ مجانسةِ الظلمةِ الوهميَّةِ وَالناسُ – قَالَ في القَامُوسِ: يَكُونُ مِنَ الإِنسِ وَمِن الجنِّ، جَمْعُ إِنْسٍ أَصْلُهُ أُنَاسٌ جمعٌ عَزِيزٌ أُدْخِلَ عَلَيْهِ أل – انْتَهَى.
وَلَعَلَّ إِطلاقَهُ على هَذَيْنِ المُتَقَابِلَيْنِ بالنَّظَرِ إِلى النَّوْسِ الذي أَصْلُهُ الاضطرابُ وَالتَّذَبْذُبُ فَيَكُونُ مَنْحُوتاً مِنَ الأَصْلَيْنِ: الأَنَسُ، وَالنَّوْسُ، وَمِن ثالثٍ وَهوَ النِسْيَانُ). [نظم الدرر: 8/ 616]
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الإِيجِيُّ الشَّافِعِيُّ (ت: 905 هـ): ({مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}: بيانُ (الَّذِي) أو الوَسْوَاسِ، قالَ تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ} [الأنعام: 112]، وعن بعضٍ: هو بيانٌ للناسِ، والناسُ يَعُمُّهُما تَغْلِيبًا، أو يُطْلَقُ على الجِنِّ أيضًا ناسٌ حقيقةً، أو لأنَّ المُرادَ مِنَ النَّاسِ الناسِي، ونِسيانُ حقِّ اللهِ يَعُمُّهما). [جامع البيان: 4/ 547 - 548]
قالَ الخَطِيبُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الشِّرْبِينِيُّ (ت: 977هـ): (ويُقَالُ: رأسُهُ كرأسِ الحيَّةِ واضعٌ رأسَهُ على ثمرةِ القلبِ يَمَسُّهُ ويُحَدِّثُهُ فإذا ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى خَنَسَ ورجعَ ووضعَ رأسَهُ فذلكَ قولُهُ تَعَالَى: {الَّذِي يُوَسْوِسُ} أيْ: يُلقي المعاني الضارَّةَ على وجهِ الخفاءِ والتَّكريرُ.
{فِي صُدُورِ النَّاسِ} أيِ: المُضْطَرِبِينَ إذا غَفَلُوا عنْ ذكرِ ربِّهم مِن غيرِ سماعٍ، وقَالَ مقاتلٌ: إنَّ الشَّيطانَ في صورةِ خنزيرٍ يُجْرِي إطاعتَهُ بكلامٍ خفيٍّ يَصِلُ مفهومُهُ إلى القَلبِ مِن غيرِ سماعِ صوتٍ). [تفسير القرآن الكريم: 4/ 616]
قالَ الخَطِيبُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الشِّرْبِينِيُّ (ت: 977هـ): (وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {مِنَ الْجِنَّةِ} أيِ: الجنِّ الَّذِي همْ في غايةِ الشَّرِّ والتمرُّدِ والخناسِ.
{وَالنَّاسِ} أيْ: أهلُ الاضطرابِ والذَّبْذَبَةِ بيانٌ للذي يُوسوسُ على أنَّ الشَّيطانَ ضَرْبَانِ جِنِّيٌّ وإنسيٌّ كما قَالَ تَعَالَى {شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ} ويجوزُ أنْ يكونَ بدلاً منَ الَّذِي يُوسوسُ أيِ المُوَسْوِسُ منَ الجنِّ والإنسِ، وأنْ يكونَ حالاً منَ الضَّميرِ في يُوسوسُ أيْ: حالَ كونِهِ مِن هذينِ الجنسينِ، وَقِيلَ غيرُ ذلكَ). [تفسير القرآن الكريم: 4/ 616]
¥