تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وَقيلَ: المرادُ بالناسِ النَّاسِي، وَسَقَطَت الياءُ كَسُقُوطِهَا في قولِهِ: [القمر: 6] {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ}.

ثمَّ بُيِّنَ بالجِنَّةِ وَالنَّاسِ؛ لأنَّ كلَّ فردٍ مِنْ أفرادِ الفريقَيْنِ في الغالبِ مُبْتَلًى بالنسيانِ.

وَأَحْسَنُ مِنْ هذا أنْ يكونَ قولُهُ: {وَالنَّاسِ} مَعْطُوفاً على الوَسْوَاسِ؛ أيْ: مِنْ شَرِّ الوَسْوَاسِ وَمِن شرِّ الناسِ، كأنَّهُ أُمِرَ أنْ يَسْتَعِيذَ مِنْ شرِّ الجنِّ وَالإِنسِ.

قَالَ الحسنُ: أَمَّا شَيْطَانُ الجنِّ فَيُوَسْوِسُ في صدورِ الناسِ، وَأمَّا شيطانُ الإِنسِ فَيَأْتِي عَلانِيَةً.

وَقالَ قتادةُ: إِنَّ مِنَ الجنِّ شَيَاطِينَ وَإِنَّ مِنَ الإِنسِ شَيَاطِينَ، فَنَعُوذُ باللَّهِ مِنْ شياطينِ الجنِّ وَالإِنسِ، وَقيلَ: إِنَّ إِبليسَ يُوَسْوِسُ في صدورِ الجنِّ كما يُوَسْوِسُ في صدورِ الإِنسِ، وَواحِدُ الجِنَّةِ جِنِّيٌّ كما أَنَّ وَاحِدَ الإِنسِ إِنْسِيٌّ، وَالقولُ الأوَّلُ هُوَ أَرْجَحُ هذهِ الأقوالِ وَإِنْ كانَ وَسْوَسَةُ الإِنسِ في صدورِ الناسِ لا تَكُونُ إِلاَّ بالمعنَى الذي قَدَّمْنَا، وَيكونُ هذا البيانُ تَذْكِيرَ الثَّقَلَيْنِ للإِرشادِ إِلى أنَّ مَنِ اسْتَعَاذَ باللَّهِ مِنْهُمَا ارْتَفَعَتْ عنهُ مِحَنُ الدنيا وَالآخرةِ). [فتح القدير: 5/ 763 - 764]

قالَ أبو الثَّناءِ مَحْمُود بن عبد الله الأَلُوسِيُّ (ت: 1270هـ): ({مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} بيانٌ للذي يُوَسْوِسُ على أنه ضَربانِ جِنِّيٌّ وإنسيٌّ، كما قالَ تعالى: {شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ} أو مُتَعَلِّقٌ بيُوسوسُ، ومِن لابتداءِ الغايةِ أي: يُوَسوسُ في صدورِهم مِن جِهةِ الجنِّ مِثلَ أن يُلْقِيَ في قلبِ المرءِ مِن جِهَتِهم أنهم يَنفعون ويَضُرُّون، ومِن جِهةِ الناسِ مِثلَ أن يُلقِيَ في قلبِه مِن جِهةِ المنجِّمينَ والكُهَّانِ أنهم يَعلَمُونَ الغيبَ، وجُوِّزَ فيه الحاليَّةُ مِن ضميرِ يُوسْوِسُ والبَدَلِيَّةُ مِن قولِه تعالى: {مِنْ شَرِّ} بإعادةِ الجارِّ وتقديرِ المضافِ، والبَدَلِيَّةُ مِن الوَسواسِ على أنَّ مِن تَبعيضيَّةٌ.

وقالَ الفرَّاءُ وجماعةٌ: هو بيانٌ للناسِ بِناءً على أنه يُطْلَقُ على الجِنِّ أيضًا فيُقالُ كما نُقِلَ عن الكلبيِّ: ناسٌ مِن الجنِّ، كما يقالُ: نَفَرٌ، ورجالٌ منهم، وفيه أنَّ المعروفَ عندَ الناسِ خِلافُه مع ما في ذلك مِن شَبَهٍ جَعَلَ قِسْمَ الشيءِ قَسِيمًا له، ومثلُه لا يُناسِبُ بلاغةَ القرآنِ وإن سُلِّمَ صِحَّتُه،،وتُعُقِّبَ أيضًا بأنه يَلزَمُ عليه القولُ بأنَّ الشيطانَ يُوسوسُ في صدورِ الجنِّ كما يُوسوسُ في صدورِ الإنسِ ولم يَقُمْ دليلٌ عليه، ولا يَجوزُ جَعلُ الآيةِ دَليلاً لما يَخْفَى، وأقربُ منه على ما قيلَ أن يُرادَ بالناسِ الناسِيَ بالياءِ مِثلُه في قراءةِ بعضُهم: {مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسِ} بالكسْرِ، ويُجْعَلُ سقوطُ الياءِ كسقوطِها في قولِه تعالى: {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ} ثم يُبَيِّنُ بالجنَّةِ والناسِ، فإنَّ كلَّ فردٍ مِن أفرادِ الفريقينِ مُبْتَلًى بنِسيانِ حقِّ اللهِ تعالى إلا مَن تَدارَكَه شَوافِعُ عِصْمَتِه، وتناوَلَه واسعُ رحمتِه جَعَلَنا اللهُ مِمَّن نالَ مِن عِصمتِه الحظَّ الأوْفَى، وكالَ له مَولاه مِن رحمتِه فأَوْفَى). [روح المعاني: 29/ 287]

قالَ مُحَمَّد صِدِّيق حَسَن خَان القِنَّوْجِيُّ (ت: 1307هـ): (ثُمَّ بَيَّنَ سبحانَهُ الذي يُوَسْوِسُ بأنَّهُ ضَرْبَانِ جِنِّيٌّ وَإِنْسِيٌّ فَقَالَ: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}.

أَمَّا شيطانُ الجنِّ فَيُوَسْوِسُ في صدورِ الناسِ، وَأمَّا شيطانُ الإِنسِ فَوَسْوَسَتُهُ في صدورِ الناسِ أَنَّهُ يَرَى نفسَهُ كالناصحِ المُشْفِقِ فَيُوقِعُ في الصدرِ مِنْ كلامِهِ الذي أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ النصيحةِ ما يُوقِعُ الشيطانُ فيهِ بِوَسْوَسَتِهِ كما قَالَ سبحانَهُ: {شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ}. وَيَجُوزُ أنْ يكونَ مُتَعَلِّقاً بـ {يُوَسْوِسُ} أيْ: يُوَسْوِسُ في صدورِهِم مِنْ جهةِ الجنَّةِ وَمن جهةِ الناسِ، وَيَجُوزُ أنْ يكونَ بَيَاناً للناسِ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير