و لتوضيحه اكثر انقل كلاما للشيخ الجزري و هو في نفس الجبهة المقابلة لشيخ الاسلام يوضح فيه ما يقصدونه بصورة الاستغاثة الجائزة عندهم و ان مرجعها التوسل و ان خرجت بلفظ الاستغاثة و يتبين انها ليست الاستغاثة التي يلهج بها المتأخرون فهي محرمة عندهم بالاجماع .. و لا ينفع معها خلط التوسل بالاستغاثة عند المتأخربن لأن الاستغاثة التي يقولون بها لم يجزها احد من علماء الاسلام المعتبرين بكافة طوائفهم ...
قال الشيخ الجزري فيما نقله عنه النجم الطوفي:
(فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه) [القصص:15] احتج بها الشيخ شمس الدين الجزري شارح المنهاج في أصول الفقه على الشيخ تقي الدين ابن تيمية فيما قيل عنه أنه قال: لا يستغاث برسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الاستغاثة بالله عز وجل من خصائصه وحقوقه الخاصة به فلا تكون لغيره كالعبادة.
وتقرير الحجة المذكورة: أنه قال: يجب أن ينظر في حقيقة الاستغاثة ماهي وهي الاستنصار والاستصراخ ثم قد وجدنا هذا الإسرائيلي استغاث بموسى واستنصره واستصرخه بنص هذه الآيات وهي استغاثة مخلوق بمخلوق وقد أقر موسى عليها الإسرائيلي وقد أقر الله عز وجل موسى على ذلك ولم ينكر محمدا صلى الله عليه وسلم ذلك لمانزلت هذه الآيات أي فكان هذا إقرارا من الله عز وجل ورسوله على استغاثة المخلوق بالمخلوق وإذا جاز أن يستغاث بموسى فبمحمد صلى الله عليه وسلم أولى لأنه أفضل بإجماع.
ومما يحتج به على ذلك: حديث هاجر أم إسماعيل حيث التمست الماء لابنها فلم تجد فسمعت حسا في بطن الوادي فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث وهذا في معنى الاستغاثة منها بجبريل وقد أقرها على ذلك ولم ينكره النبي -صلى الله عليه وسلم- عليها لما حكاه عنها.
ولأن اعتقاد التوحيد من لوازم الإسلام فإذا رأينا مسلما يستغيث بمخلوق علمنا قطعا أنه غير مشرك لذلك المخلوق مع الله عز وجل وإنما ذلك منه طلب مساعدة أو توجه إلى الله ببركة ذلك المخلوق وإذا استصرخ الناس في موقف القيامة بالأنبياء ليشفعوا لهم في التخفيف عنهم جاز استصراخهم بهم في غير ذلك المقام وقد صنف الشيخ أبو عبدالله النعمان كتبا سماه: (مصباح الظلام في المستغيثين بخير الأنام) واشتهر هذا الكتاب وأجمع أهل عصره على تلقيه منه بالقبول وإجماع أهل كل عصر حجة فالمنكر لذلك مخالف لهذا الإجماع فإن قيل: الآية المذكورة في قصة موسى والإسرائيلي ليست في محل النزاع من وجهين:
أحدهما: أن موسى حينئذ كان حيا ونحن إنما نمنع الاستغاثة بميت.
الثاني: أن استغاثة صاحب موسى به كان في أمر يمكن موسى فعله وهو إعانته على خصمه وهو أمر معتاد ونحن إنما نمنع من الاستغاثة بالمخلوق فيما يختص فعله بالله عز وجل كالرحمة والمغفرة والرزق والحياة ونحو ذلك فلا يقال: يامحمد اغفر لي أو ارحمني أو ارزقني أو أجبني [وفي نسخة أخرى:أحييني بدل أجبني] أو أعطني مالا وولدا لأن ذلك شرك بإجماع.
وأجيب عن الأول: بأن الاستغاثة إذا جازت بالحي فبالميت المساوي فضلا عن الأفضل أولى لأنه أقرب إلى الله عز وجل من الحي لوجوه:
أحدها: أنه في دار الكرامة والجزاء والحي في دار التكليف.
الثاني: أن الميت تجرد عن عالم الطبيعة القاطعة عن الوصول إلى عالم الآخرة والحي متلبس بها.
الثالث: أن الشهداء في حياتهم محجوبون وبعد موتهم أحياء عند ربهم يرزقون.
وعن الثاني: أن ماذكرتموه أمر مجمع مجمع عليه معلوم عند صغير المسلمين فضلا عن كبيرهم أن المخلوق على الإطلاق لايطلب منه ولا ينسب إليه فعل ما اختصت القدرة الإلهية به وقد رأينا أغمار الناس وعامتهم وأبعدهم عن العلم والمعرفة يلوذون بحجرة النبي صلى الله عليه وسلم ولا يزيدون على أن يسألو الشفاعة والوسلية يارسول الله [وفي نسخة أخرى: برسول الله] اشفع لنا يالله ببركة نبيك اغفر لنا فصار الكلام في المسألة المفروضة فضلا لا حاجة بأحد من المسلمين إليه.
وإذا لم يكن بد من التعريف بهذا الحكم خشية أن يقع فيه أحد فليكن بعبارة لا توهم نقصا في النبي صلى الله عليه وسلم ولا غضا من منصبه مثل أن يقال: ما استأثر الله عز وجل بالقدرة عليه فلا يطلب من مخلوق على الإطلاق أو نحو هذا ولا يتعرض للنبي صلى الله عليه وسلم بسلب الاستغاثة عنه مطلقا ولا مقيدا ولا يذكر إلا بالصلاة والسلام عليه والرواية عنه ونحو ذلك. انتهى
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[02 - 05 - 10, 04:53 ص]ـ
ليس سؤالاً للنبي صلى الله عليه وسلم بل سؤال لله به
بارك الله فيك ..
لو سأل به فقط لم نبحث معه هذه المباحثة ..
لكنه سأله واستغاث به ولذلك جعلهما صنفان سماهما توسل ..
الأول: سؤال به.
والثاني: استغاثة به لمكان الكسب والتسبب، ولو كانا واحداً لما احتاج لجعلهما قسمين ..
ولما قال:
((فالله تعالى مُسْتَغَاثٌ فالغوث منه خَلْقًا وإيجادًا، والنبي صلى الله عليه وسلم مستغاثٌ والغوث منه تسببًا وكَسْباً))
وكل ذي قلب عربي يعلم أن المسؤول به لا يكون الغوث منه،وإنما جعل الغوث منه؛لأنه راعوا مكان التوجه إليه كسبب وزلفى كما راعت المشركة أصنامها كسبب وزلفى ولا فرق ..
ولو كان أراد ربه خالصاً لما جعل الغوث من النبي صلى الله عليه وسلم،كما أن المشركة لا تغفل عن أن النافع الضار المتزلف إليه هو الله وإنما جعلوا مشركين بهذا الذي توجهوا إليه معه سبحانه وجعلوا الغوث منه كما جعل السبكي الغوث منه ..
¥