حَرُمَ بَيَانُهُ فَالتَّعْرِيضُ فِيهِ جَائِزٌ بَلْ وَاجِبٌ إنْ اُضْطُرَّ إلَى الْخِطَابِ وَأَمْكَنَ التَّعْرِيضُ فِيهِ - كَالتَّعْرِيضِ لِسَائِلٍ عَنْ مَعْصُومٍ يُرِيدُ قَتْلَهُ - , وَإِنْ كَانَ بَيَانُهُ جَائِزًا أَوْ كِتْمَانُهُ جَائِزًا , وَكَانَتْ الْمَصْلَحَةُ الدِّينِيَّةُ فِي كِتْمَانِهِ كَالْوَجْهِ الَّذِي يُرَادُ عَزْوُهُ فَالتَّعْرِيضُ أَيْضًا مُسْتَحَبٌّ هُنَا , وَإِنْ كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ الدُّنْيَوِيَّةُ فِي كِتْمَانِهِ , فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي الْإِظْهَارِ - وَالتَّقْدِيرُ أَنَّهُ مَظْلُومٌ بِذَلِكَ الضَّرَرِ - , جَازَ لَهُ التَّعْرِيضُ فِي الْيَمِينِ وَغَيْرِهَا ... وَفِي الْجُمْلَةِ فَالتَّعْرِيضُ مَضْمُونُهُ أَنَّهُ قَالَ قَوْلًا فَهِمَ مِنْهُ السَّامِعُ خِلَافَ مَا عَنَاهُ الْقَائِلُ إمَّا لِتَقْصِيرِ السَّامِعِ فِي مَعْرِفَةِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ , أَوْ لِتَبْعِيدِ الْمُتَكَلِّمِ وَجْهَ الْبَيَانِ , وَهَذَا غَايَتُهُ أَنَّهُ سَبَبٌ فِي تَجْهِيلِ الْمُسْتَمِعِ بِاعْتِقَادٍ غَيْرِ مُطَابِقٍ , وَتَجْهِيلُ الْمُسْتَمِعِ بِالشَّيْءِ إذَا كَانَ مَصْلَحَةً لَهُ كَانَ عَمَلَ خَيْرٍ مَعَهُ , فَإِنَّ مَنْ كَانَ عِلْمُهُ بِالشَّيْءِ يَحْمِلُهُ عَلَى أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ كَانَ أَنْ لَا يَعْلَمَهُ خَيْرًا لَهُ , وَلَا يَضُرُّهُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَتَوَهَّمَهُ بِخِلَافِ مَا هُوَ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ أَمْرًا يُطْلَبُ مَعْرِفَتُهُ , إنْ لَمْ يَكُنْ مَصْلَحَةً لَهُ بَلْ مَصْلَحَةً لِلْقَائِلِ = كَانَ أَيْضًا جَائِزًا , لِأَنَّ عِلْمَ السَّامِعِ إذَا فَوَّتَ مَصْلَحَةً عَلَى الْقَائِلِ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْعَى فِي عَدَمِ عِلْمِهِ , وَإِنْ أَفْضَى إلَى اعْتِقَادٍ غَيْرِ مُطَابِقٍ فِي شَيْءٍ سَوَاءٌ عَرَفَهُ , أَوْ لَمْ يَعْرِفْهُ , فَالْمَقْصُودُ بِالْمَعَارِيضِ فِعْلٌ وَاجِبٌ , أَوْ مُسْتَحَبٌّ أَوْ مُبَاحٌ أَبَاحَ الشَّارِعُ السَّعْيَ فِي حُصُولِهِ , وَنَصَبَ سَبَبًا يُفْضِي إلَيْهِ أَصْلًا وَقَصْدًا , فَإِنَّ الضَّرَرَ قَدْ يُشْرَعُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَقْصِدَ دَفْعَهُ , وَيَتَسَبَّبَ فِي ذَلِكَ , وَلَمْ يَتَضَمَّنْ الشَّرْعُ النَّهْيَ عَنْ دَفْعِ الضَّرَرِ ..
وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمُحْتَالِ بِهِ فَإِنَّ الْمُعْتَرِضَ إنَّمَا تَكَلَّمَ بِحَقٍّ وَنَطَقَ بِصِدْقٍ فِيمَا بَيَّنَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَا سِيَّمَا إنْ لَمْ يَنْوِ بِاللَّفْظِ خِلَافَ ظَاهِرِهِ فِي نَفْسِهِ , وَإِنَّمَا كَانَ الظُّهُورُ مِنْ ضَعْفِ فَهْمِ السَّامِعِ وَقُصُورِهِ فِي
مَعْرِفَةِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ , وَمَعَارِيضُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِزَاحُهُ عَامَّتُهُ كَانَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ مِثْلُ قَوْلِهِ: " ** نَحْنُ مِنْ مَاءٍ} , وَقَوْلِهِ: ** إنَّا حَامِلُوكَ عَلَى وَلَدِ النَّاقَةِ} ** وَزَوْجُك الَّذِي فِي عَيْنِهِ بَيَاضٌ} , ** وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَجُوزٌ}.
وَأَكْثَرُ مَعَارِيضِ السَّلَفِ كَانَتْ مِنْ هَذَا .. وَكَثِيرٌ مِنْ وُجُوهِ اخْتِلَافِهِ قَدْ لَا يَبِينُ بِنَفْسِ اللَّفْظِ , بَلْ يُرَاجَعُ فِيهِ إلَى قَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ , وَقَدْ يَظْهَرُ قَصْدُهُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ , وَقَدْ لَا يَظْهَرُ ..
وَهُنَا فَرْقٌ ثَالِثٌ , وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُعَرِّضُ إمَّا أَنْ يَكُونَ أَبْطَلَ بِالتَّعْرِيضِ حَقًّا لِلَّهِ , أَوْ لِآدَمِيٍّ , فَأَمَّا مِنْ جِهَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ , فَلَمْ يُبْطِلْ حَقًّا لَهُ , لِأَنَّهُ إذَا نَاجَى رَبَّهُ سُبْحَانَهُ بِكَلَامٍ وَعَنَى بِهِ مَا يَحْتَمِلُهُ مِنْ الْمَعَانِي الْحِسِّيَّةِ لَمْ يَكُنْ مَلُومًا فِي ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَفْهَمُونَ مِنْهُ خِلَافَ ذَلِكَ , لِأَنَّ اللَّهَ عَالِمٌ بِالسَّرَائِرِ وَاللَّفْظُ مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا هُوَ مَوْضُوعٌ لَهُ , وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْآدَمِيِّ فَلَا يَجُوزُ التَّعْرِيضُ إلَّا إذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ إسْقَاطَ حَقِّ مُسْلِمٍ , فَإِنْ تَضَمَّنَ إسْقَاطَ حَقِّهِ حَرُمَ بِالْإِجْمَاعِ. فَثَبَتَ أَنَّ
¥