تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كما في مسألة قطع النسل ((ليس تنظيمه)): فإذا تعارضَ عند العالم الجواز والتحريم ولم يسعفه الدليل لترجيح أحدهما= وجد أن القول بتحريم قطع النسل أدعى لحفظ ضرورةٍ وهي ضرورةُ النَّسْلِ رجّح ذلك .. وهذا مثال؛ وقد تجنبت ذكر الامثلة حتى لا يركز عليها وينسى أصل الموضوع، لكن اجدني مضطرا هنا لإيراد المثال لضرورة الايضاح ..

وقد يتعارض عن العالم قولان: في أحدهما تكميلٌ لضروري وفي الآخر تكميل لحاجي فيرجح الاول .. كأن يتعارض عنده القول بجواز قيادة المرأة للسيارة والقول بحرمتها: فيقدم الضروري عنده (وهو حفظ العرض) على التكميلي وهو التيسير على النساء (بزعم ذلك وبغض النظر عن صدقه وكذبه) ..

وهذا يكون أكثر ما يكون (أعني الترجيح بطريقة المقاصد الكلية) في النوازل؛ بينما يكثر استخدام مقاصد الابواب في غير النوازل ..

ثم إن الترجيح يكون بالمقاصد الكلية التي أذِنَ الله بها؛ كرفع كلمة لا إله إلا الله إذ هو من أَجَلِّ المقاصد، فإذا تعارض عند العالم القول بجواز أخذ العوض على مسائل العلم وجواز ((السبَق)) بفتح الباء فيها .. مع تحريم ذلك لورود النص في ثلاث ليست مسائل العلم منها، ولم يترجح عنده شيء= قدَّم الجواز؛ لأن فيه تحصيلَ مصلحة العلم ونشره ورفع الاسلام وأهله ..

وأما الترجيح بمقاصد الابواب الخاصة: فإنك تجد في كل باب من ابواب الفقه مقاصد خاصة بهذا الباب داخلة ضمن المقاصد الكلية؛ فمثلا: من مقاصد ابواب السفر التخفيف والتيسير، فلذا قصرت الصلاة وفرض لابن السبيل من الزكاة. ومن مقاصد ابواب البيوع منع الغرر والجهالة وقطع التنازع، ثم التخفيف فيما تعظم الحاجة اليه مما هو خلاف ذلك؛ كبيع العرايا والسلم وغيره .. الخ.

فاذا تعارضت الاقوال وتقاربت يرجح العالم بالقول الذي يكون فيه تحصيل لمقصد الباب .. فمثلا في فتاوى شيخ الاسلام في باب الوقف تجده يرجح مسائل مخالفة لكثير من المذاهب: مِن مِثْلِ جواز التصرُّف في الوقف لناظره؛ بناء على مصلحة الوقف حتى لو اقتضى ذلك نقله .. وذلك بالنظر الى مقصد الباب وهو تسبيل المنفعة وقصر التصرف قد يؤدى إلى فواتها وتلفها بالكلية ..

وقد يُعارض شيخ الاسلام على بعض اختياراته بهذه القاعدة من مِثل عدم اشتراطه الصيغة في عقد النكاح .. فيقال: المقصد من باب النكاح تعظيمه؛ لأن فيه استحلالاً للفروج وتداخلاً بين الأنساب، ومقامه عظيم= فناسب أن يلزم بصيغة خاصة يكون فيها وضوحا في القبول والعرض؛ خلافا لبقية العقود المالية والبدنية، ويكون فيها بعض الهيبة في إذن السامع وقلب الناكح والولي، لذلك اختص عقد النكاح بمسائل: فالمرأة القادرة على انفاذ تصرفها في ملايين الاموال والأملاك لا تقدر على تزويج نفسها إلا بالولي ..

ومثل هذا في تجويزه نفاذ خيار الشرط في النكاح لأن من مقاصد باب النكاح دوام العِشرة ..

فإذا تعارضت عندنا الادلة في مسألة وتقاربت وتظاهرت= نظرنا الى المقصد الخاص بالباب، فما كان من الأدلة أقرب الى تحصيله قلنا به، وهذا لا يكون إلا لأهل العلم ممن رزقوا فهوما وعلوما مع حسن اطلاع ونظر في اقوال اهل العلم ..

وهذه من المسائل التي يدق النظر فيها، وقد لا يستوعب أمثالنا أسباب اختيار الفقهاء فيما نظن ظاهره ضعف دليل .. وطريقة استدلال.

ثانيها: الترجيح بقول الصحابي:

وذلك كأن يرجح عالمٌ قولَ مَنْ قال بوجوب الوضوء من مس الذكر مطلقا: لمّا تعارضت عنده الأدلةُ= وجد أنّ فعلَ ابنِ عمر الذي رُوي في الموطأ، وفعلَ سعد بن ابي وقاص يقوي القول بوجوب الوضوء مطلقا.

ثم إنه ينبغي علينا أن نعرفَ مقدارَ قوةِ قولِ الصحابيِّ بأمورٍ منها:

1 - عدم معارضة الصريح من النص (وهل قول الصحابي يقيد المطلق ويخصص العام؟! فيه خلاف ليس هذا موضعه).

2 - طبقات الصحابة تختلف؛ فيعرف لهم ذلك حال الاحتجاج [وتأمّل في المناظرة التي أوردها الحاكم].

3 - توارد اكثر من صحابي على هذا القول.

4 - عدم المعارضة من صحابي آخر.

ثالثها: طريقة الترجيح بالأحوط:

كمن يقول بقول الجمهور في أول وقت الجمعة؛ إذ إنه لو أخّر الصلاةَ حتى وقتِ الزوال لم يكن أثماً عند الحنبلية وكان مصيبا عند الجمهور، فهنا احتاط لدينه وصحت صلاته بالإجماع؛ بينما لو فعل الصلاة قبل الزوال صحت على مذهب الحنابلة وبطلت على مذهب الجمهور ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير