- وسبب الخلاف أنهم لما أجمع المسلمون على انتقاض الوضوء مما يخرج من السبيلين، من غائط، وبول، وريح، ومذي؛ لظاهر الكتاب، ولتظاهر الآثار بذلك تطرق لذلك ثلاث احتمالات:
(أحدها): أن يكون الحكم إنما علق من جهة أنها أنجاس خارجة من البدن؛ لكون الوضوء طهارة، والطهارة إنما يؤثر فيها النجس، وبهذا قال أبو حنيفة وأصحابه، وعللوا بأن الخارج النجس موجب لاستخباث جملة الجسد، كما أن الإنسان لو كان به برص أو جذام ببعض أعضائه كرهت جملته عرفا، فكذلك يستخبث شرعا.
(الاحتمال الثاني): أن يكون الحكم أيضا إنما علق بها من جهة أنها خارجة من هذين السبيلين، وهذا قول الشافعي.
(الاحتمال الثالث): أن يكون الحكم إنما علق بأعيان هذه الأشياء فقط على ما رآه مالك فقال: المعتبر الخارج والمخرج المعتاد اللذان يفهمان من الآية، وهما تعبدان، لا يجوز التصرف فيهما، بل يقتصر على مورد النص (10).
قال القرافي: " وليس هذا من باب أخذ محل الحكم قيدا الذي هو منكر، بل هذا من باب الاقتصار على محل الحكم؛ لتعذر التصرف منه، والنقل منه إلى غيره " (11).
وقال أيضا: والقياس على الأحداث بجامع النجاسة ممنوع؛ فإنه تعبد؛ لإيجاب الغسل من هذه الأشياء لغير المتنجس، والقياس في التعبد متعذر؛ لعدم العلة الجامعة ".
وقال أبو محمد ابن حزم:
" فإن قالوا: قسنا كل ذلك على الغائط؛ لأن ذلك نجاسة. قلنا لهم: قد وجدنا الريح تخرج من الدبر، فتنقض الوضوء، وليست بنجاسة، فهلا قستم عليها الجشوة والعطسة؛ لأنها ريح خارجة من الجوف، ولا فرق ".
وقال أيضا:
"ويقال للشافعيين والحنفيين معا، قد وجدنا الخارج من المخرجين مختلف الحكم، فمنه ما يوجب الغسل، كالحيض، والمني، ودم النفاس، ومنه ما يوجب الوضوء فقط كالبول، والغائط، والريح، والمذي، ومنه ما لا يوجب الوضوء شيئا كالقصة البيضاء، فمن أين لكم أن تقيسوا ما اشتهيتم، فأوجبتم فيه الوضوء دون أن توجبوا فيه الغسل قياسا على ما يوجب الغسل من ذلك، أو دون أن توجبوا فيه شيئا قياسا على ما لا يجب فيه شيء من ذلك.
وهل هذا إلا تحكم بالهوى الذي حرم الله تعالى الحكم به، وبالظن الذي أخبرنا الله أن لا يغني من الحق شيئا.
أما المالكيون فلم يقيسوا ههنا، ولا عللوا بخارج ولا مخرج، ولا بنجاسة فأصابوا .. فالحمد لله على عظيم نعمه علينا " (12).
وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فقال في رسالة (صحة مذهب أهل المدينة):
ومذهب أهل المدينة في الدعاء في الصلاة، والتنبيه بالقرآن، والتسبيح، وغير ذلك فيه من التوسع ما يوافق السنة ... ومن ذلك في الطهارة أن مالكا رأى الوضوء من مس الذكر، ولمس النساء لشهوة، دون القهقهة في الصلاة، ولمس النساء لغير شهوة، ودون الخارج النادر من السبيلين، والخارج النجس من غيرهما " (13).
================
(1) أخرجه البخاري (6954)، ومسلم (225)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2) انظر: فتح القدير، لابن الهمام 1/ 32، وبدائع الصنائع 1/ 60.
(3) المحلى 1/ 232.
(4) المجموع 2/ 4.
(5) فتح العزير شرح الوجيز (2/ 2حاشية المجموع).
(6) انظر: بداية المجتهد 1/ 95.
(7) انظر: المغني 1/ 230 - 234.
(8) انظر: الذخيرة للقرافي 1/ 237، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1/ 191.
(9) انظر: المجموع 2/ 7.
(10) الذخيرة 1/ 237.
(11) الذخيرة 1/ 236.
(12) المحلى 1/ 259.
(13) الفتاوى 20/ 367.
يتيع بإذن الله ....
ـ[ابن أبي حاتم]ــــــــ[22 - 01 - 03, 10:46 م]ـ
مسألة: طهارة رطوبة فرج المرأة.
وأكتفي هنا بذكر أقوال الفقهاء في هذه المسألة، دون ذكر لأدلة كل قول اكتفاءً بما ذكره الأخوة قبلي، فأقول:
اختلف الفقهاء رحمهم الله في طهارة رطوبة فرج المرأة على أقوال:
القول الأول: وهو القول بطهارتها، و إليه ذهب أبو حنيفة (1)، وهو أحد القولين عن الشافعي (2)، وهو مذهب الحنابلة (3)، واختاره النووي من الشافعية (4).
والحنفية رطوبة الفرج الخارج طاهرة باتفاق عندهم، أما الداخل فالقول بطهارتها هو مذهب أبي حنيفة، وخالفه صاحباه (5).
القول الثاني: وهو القول بنجاسة رطوبة فرج المرأة مطلقا، و إليه ذهب المالكية (6)، و هو قول للشافعي (7)، وذهب أبو يوسف ومحمد من الحنفية إلى نجاسة رطوبة الفرج الباطن (8).
القول الثالث: وقسم الشافعية رطوبة الفرج إلى ثلاثة أقسام:
- طاهرة قطعا , وهي ما تكون في المحل الذي يظهر عند جلوس المرأة , وهو الذي يجب غسله في الغسل والاستنجاء.
- ونجسة قطعا وهي الرطوبة التي تكون في باطن الفرج , وهو ما وراء ذكر المجامع.
وطاهرة على الأصح وهي ما يصله ذكر المجامع (9).
==================================
1 - الدر المختار (1/ 208 حاشية ابن عبدين)، والجوهرة النيرة، للعبادي الحنفي 1/ 38.
2 - المجموع (2/ 589)، وقال رحمه الله: " المصنف رحمه الله- يعني الشيرازي صاحب المهذب - رجح هنا وفي التنبيه النجاسة , ورجحه أيضا البندنيجي وقال البغوي والرافعي وغيرهما: الأصح: الطهارة , وقال صاحب الحاوي في باب ما يوجب الغسل: نص الشافعي رحمه الله في بعض كتبه على طهارة رطوبة الفرج , وحكي التنجيس عن ابن سريج فحصل في المسألة قولان منصوصان للشافعي , أحدهما ما نقله المصنف , والآخر نقله صاحب الحاوي , والأصح طهارتهما ".
3 - قال في الإنصاف:" وهو الصحيح من المذهب مطلقا".
4 - المجموع (2/ 589).
5 - حاشية ابن عابدين (1/ 208).
6 - انظر مواهب الجليل 1/ 105.
7 - المجموع (2/ 589).
8 - الدر المختار (1/ 208حاشية ابن عابدين)، والجوهرة النيرة (1/ 38).
9 - انظر: مغني المحتاج 1/ 81، وحاشية قليوبي على شرح المنهاج 1/ 71.
يتبع إن شاء الله ....
¥