نعم لو فعل الصحابي مالم يرد، وتفرد به، ولم يكن هو من الخلفاء الراشدين، فإن فعله لهذا الأمر يخرجه عن البدعة، وإن كنا نحكم عليه بالخطأ، كما نص شيخ الإسلام على ذلك في الفتاوى (1/ 279): "ومثل هذا لا تثبت به شريعة كسائر ما ينقل عن آحاد الصحابة فى جنس العبادات أو الإباحات أو الإيجابات أو التحريمات إذا لم يوافقه غيره من الصحابة عليه وكان ما يثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم يخالفه لا يوافقه لم يكن فعله سنة يجب على المسلمين إتباعها بل غايته أن يكون ذلك مما يسوغ فيه الإجتهاد ومما تنازعت فيه الأمة فيجب رده الى الله والرسول ولهذا نظائر كثيرة مثل ما كان إبن عمر يدخل الماء فى عينيه فى الوضوء ويأخذ لأذنيه ماءا جديدا وكان أبو هريرة يغسل يديه الى العضدين فى الوضوء ويقول من استطاع أن يطيل غرته فليفعل وروى عنه أنه كان يمسح عنقه ويقول هو موضع الغل فإن هذا وإن إستحبه طائفة من العلماء إتباعا لهما فقد خالفهم فى ذلك آخرون وقالوا سائر الصحابة لم يكونوا يتوضؤون هكذا".
وقال (1/ 281):
"ومن هذا وضع ابن عمر يده على مقعد النبى وتعريف إبن عباس بالبصرة وعمرو بن حريث بالكوفة فإن هذا لما لم يكن مما يفعله سائر الصحابة ولم يكن النبى شرعه لأمته لم يمكن أن يقال هذا سنة مستحبة بل غايته أن يقال هذا مما ساغ فيه اجتهاد الصحابة أو مما لا ينكر على فاعله لأنه مما يسوغ فيه الإجتهاد لا لأنه سنة مستحبة سنها النبى لأمته أو يقال فى التعريف إنه لا بأس به أحيانا لعارض إذا لم يجعل سنة راتبة وهكذا يقول أئمة العلم فى هذا وأمثاله تارة يكرهونه وتارة يسوغون فيه الإجتهاد وتارة يرخصون فيه إذا لم يتخذ سنة ولا يقول عالم بالسنة إن هذه سنة مشروعة للمسلمين فإن ذلك إنما يقال فيما شرعه رسول الله إذ ليس لغيره أن يسن ولا أن يشرع وما سنه خلفاؤه الراشدون فإنما سنوه بأمره فهو من سننه ولا يكون فى الدين واجبا إلا ما أوجبه ولا حراما إلا ما حرمه ولا مستحبا إلا ما استحبه ولا مكروها إلاما كرهه ولا مباحا إلا ما أباحه".
أخي ابن أبي حاتم لا زلت مباركا:
أن أعلم أنك لا تقول بالسنية لهذا الأمر، ولكن سقت لك هذا في أفعال الصحابة، أما كون فعل إمام من الأئمة يرفع البدعية أو الإحداث فهذا ما لم أقف عليه فلو أفتانا بورك فيك،
مع العلم أنني لا أقول بالبدعية في هذا الأمر، وأقول إن الأمر مما اختلف فيه العلماء قديما وحديثا، ولكن لم يظهر لي ما يخرجها من تعريف الإحداث (فكيف تقول لم تدخل أصلا) والعبادات توقيفية!!
وأما قولك هل قال أحد بالبدعية غير الشيخ بكر
فأقو ل: لقد سمعت الشيخ ابن عثيمين في الحرم عام 1407 تقريبا، ولعل بعض الإخوة يشهد معي بذلك قال: (بأنها بدعة) ولما تناقل الناس هذه الفتوى ودب الخلاف بين الشباب، سئل الشيخ من الغد عنها فقال: إنها لم ترد وعدل عن لفظ البدعة، لما رأى من الخلاف وقال لا ينبغي للمسلم أن يفارق إمامه.
أقول ولعل بعض العلماء يقول بذلك لذلك، والله أعلم
أخي ابن أبي حاتم كل ما سطّر إنما هو من المباحثة للفائدة، علما أني في هذه المسألة مقلد للشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
والله أعلم بالصواب.
ـ[ابن أبي حاتم]ــــــــ[03 - 11 - 02, 12:31 ص]ـ
الأخ الشيخ: خالد الشايع وفقه الله (ولا يهون القارئين).
فقبل الكلام على ما ذكرته وفقك الله من ملاحظة على ما ذكرت، فإني والله أسر كثيرا عندما يتباحث طلبة العم في المسائل العلمية، بنفس فيه أدب جم، وحرص على الفائدة، وقصد للحق، وإني وجدت ذلك فيما كتبته لي وفقك الله، زادك الله من فضله ووفقك لكل خير.
قبل أن أجيب على ما ذكرت فإني قرأ ت كل ما كتبه الأخوة بتأمل كثير، رجاء أن أقف على ما قد يبين يدلني على الصواب، ولم أستعجل الرد!!
فأرجو ممن يريد الرد على كلامي أن يتأنّ ولا يستعجل؟!!
وأقول لك، لا زلت موفقا للخير ولجميع الأخوة في هذا المنتدى ..
إن من المشكلات التي أثرت في الملكة الفقهية عند كثير من طلبة العلم = الحرفية التي نجدها في التعامل مع القواعد الأصولية أو قواعد الحديث، وهذه الحرفية هي في الواقع مسلمات لا شك في ثبوتها في الغالب، وإن كان بعضها لا يسلم بصحته أصلا.
لكن هذه الحرفية في الواقع أوجبت تجاهلا لقدر السلف، ونوعا من الجرأة عليهم، تارة بحجة أن العبرة بالدليل، وتارة ب (أنهم رجال ونحن رجال)، وإن كان قد يقول بعضهم بلسان حاله دون لسان مقاله.
وليست المشكلة الانفراد بقول دون عامة أهل العلم، لا، بل المشكلة عندما يقال: إنه لا دليل لهم؟! وأن الدليل دل على خلافه بنوع من القطعية والجزم، ربما لا توجد في كلام الأئمة السابقين في مثل هذه المسائل.
ولا أريد أن أطيل في عرض هذه المشكلة دون ذكر بعض الأمثلة الواقعية على ذلك:
فمن الأمثلة على ذلك:
مثلا، ترجيح أن الحائض إذا طهرت في وقت العصر، فإنه لا يلزمها إلا العصر، دون الظهر، ويحتجون بأن الأصل براءة الذمة أو غير ذلك من الأمور، وثم يقولون: إن الجمهور استدلوا بأنه لما كانت الظهر تجمع إليها، أمرت بأن تصلي الوقت. نعم هذا هو ما ذكره الفقهاء المتأخرون، لكن لما ننظر إلى الإمام أحمد لما سئل عن هذه المسألة، قال: عامة التابعين على هذا إلا الحسن؟!.
وحينئذ ربما يجاب على هذا جواب الإمام احمد بنفس الحرفية (التي هي المشكلة) فيقال: وهل قول عامة التابعين حجة؟!!
ونقول: هل يتصور نظريا، أن يكون جمهور التابعين على قول مبناهم فيه على مثل هذا القياس الضعيف، الذي لا يقوى على الأصل المقرر في الشريعة أن الأصل براءة الذمة؟ مع أن هذه القاعدة إنما فهمناها عنهم، فكيف يمكن أن تخفى عليهم.
¥