تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعقد الوكالة يقتضي أن يكون المال المستثمر وما ينتج عنه من ربح من حق صاحب المال وحده، وليس للوكيل إلا ما اتفق عليه من أجر إن كان قد تم الاتفاق على أجر (لأن لوكالة تصح بأجر وبدون أجر)، وفي الحديث أن النبي قد أعطى عروة بن أبي الجعد البارقي ديناراً يشتري له به شاة، فاشترى له به شاتين فباع إحداها بدينار فجاءه بدينار وشاة، فدعا له بالبركة في بيعه، وكان لو اشترى التراب لربح فيه)) [أخرجه البخاري (3642) وأبو داود (3384) والترمذي (1258) وابن ماجه (2402) من حديث عروة البارقي]، فقد جاء عروة بأصل المال والربح إلى الموكِّل وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي كتاب الإجماع لابن المنذر (ص: 160): ((وأجمعوا على أن الرجل إذا وكل الرجل بقبض دين له على آخر فأبرأ الوكيل الغريم من الدين الذي عليه، أن ذلك غير جائز؛لأنه لا يملكه،ولا فرق بين هذا وبين ثمن السلعة للموكل على المشتري)) أ.هـ

والذي يحدث في المعاملات البنكية عكس هذا الذي ذكرناه؛فالبنك هو الذي يحصل علي كل العائد من استثمار المال إن كان ثمة استثمار -لأنه في الحقيقة لا يستثمر كما سيأتي - ولا يعطي لصاحب المال إلا القدر الضئيل الذي يحدد من طرف واحد وهو البنك.

ثانياً: ليس البنك جهة استثمار

إن القول بأن البنك وكيل عن العميل في استثمار ماله معناه أن وظيفة البنك هي القيام باستثمار الأموال التي يودعها لديه العملاء، وهذا ينم عن جهل أو تجاهل لطبيعة البنوك التجارية وطريقة عملها، وكل من له إلمام بدراسة البنوك يعلم أن الحقيقة غير ذلك، وبمراجعة سريعة لأي من الكتب التي تعنى بدراسة النقود والبنوك مما يدرس في كليات التجارة والاقتصاد يمكن معرفة الدور الرئيس لهذه البنوك ألا وهو التجارة في الديون فهي تقترض من العملاء مالاً بفائدة ربوية ثم تقرضه بفائدة أعلى، ومن الفارق بين النسبتين تأتي أرباح البنوك الضخمة، يقول الدكتور محمد زكي شافعي في كتابه (مقدمة في النقود والبنوك): ((يمكن تلخيص أعمال البنوك التجارية في عبارة واحدة: هي التعامل في الائتمان أو الاتجار في الديون، إذ ينحصر النشاط الجوهري للبنوك في الاستعداد لمبادلة تعهداتها بالدفع لدى الطلب بديون الآخرين سواء كانوا أفراداً أم مشروعات أم حكومات)).

أما المهمات الاستثمارية فإن ما تقوم به البنوك التجارية منها هو شيء ضئيل جداً قد لا تتعدى نسبته نصف بالمئة من إجمالي المال المودع لديها على ما بينه الدكتور على السالوس بالوثائق والأرقام في ردوده القيمة على فتاوى الشيخ طنطاوي بهذا الخصوص [يراجع كتابه الاقتصاد الإسلامي والقضايا الفقهية المعاصرة:1/ 100 وما بعدها].

بل إن البنوك الربوية تقوم بما يسميه علم النقود والبنوك بمهمة خلق الائتمان، أي إقراض نقود لا وجود لها في الحقيقة، فهي تقرض أكثر مما لديها من ودائع، وذلك مثل ما يحدث في ما يسمى بفتح الاعتماد وهو عقد يلتزم البنك بمقتضاه بوضع مبلغ معين تحت تصرف العميل خلال مدة معينة وللعميل الحق في سحب هذا المبلغ أو بعضه خلال المدة المذكورة، وقد يحدث أن لا يسحب العميل المبلغ أو جانباً كبيراً منه ومع ذلك فهو ملتزم بدفع عمولة معينة تستحق غالباً بمجرد إبرام عقد فتح الاعتماد.

ثالثاً: ودائع البنوك قرض شرعاً وقانوناً

إن التوصيف الفقهي الصحيح لما يضعه العملاء لدى البنوك من أموال أنه قرض يجري عليه ما يجري على القرض من عدم جواز اشتراط الزيادة عليه؛ وذلك لأن هذا المال يدخل في ملكية البنك منذ إيداعه فيه وله أن يتصرف فيه كما يشاء وهو متعهد برد مثله لا عينه، وهو ضامن لهذا المال في حال تلفه أو ضياعه وإنْ كان ذلك بلا تفريط منه، وهذه هي طبيعة القرض كما حددها الفقه الإسلامي، هذا إضافة إلى أن القوانين التي تحكم عمل تلك البنوك القانونية والتي يتم التحاكم إليها عند الاختلاف تعتبره قرضاً أيضاً فقد نصت المادة 726 من القانون المدني المصري على أنه ((إذا كانت الوديعة مبلغاً من النقود، أو أي شيء آخر مما يهلك بالاستعمال وكان المودع عنده مأذوناً له في استعماله اعتبر العقد قرضاً)).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير