تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بأحد الثمنين، والتفسير الثاني أن يقول: أبيعكها بمائة إلى سنة، على أن أشتريها منك بثمانين حالة، وهذا معنى الحديث الذي لا معنى له غيره وهو مطابق لقوله فله أوكسهما أو الربا؛ فإنه إما أن يأخذ الثمن الزائد فيربي أو الثمن الأول فيكون هو أوكسهما وهو مطابق لصفقتين في صفقة فإنه قد جمع صفقتي النقد والنسيئة في صفقة واحدة ومبيع واحد وهو قصد بيع دراهم عاجلة بدراهم مؤجلة أكثر منها ولا يستحق إلا رأس ماله وهو أوكس الصفقتين فإن أبي إلا الأكثر كان قد أخذ الربا، فتدبر مطابقة هذا التفسير لألفاظه وانطباقه عليها، ومما يشهد لهذا التفسير ما رواه الإمام أحمد عن ابن عمر عن النبي أنه نهى عن بيعتين في بيعة وعن سلف وبيع، فجمعه بين هذين العقدين في النهي لأن كلا منهما يؤول إلى الربا لأنهما في الظاهر بيع وفي الحقيقة ربا"ولي مع قوله رحمه الله تعالى عدة وقفات إلا أن المقصود هنا واضح.

وعلى كل ليس ضروريا أن تكون الصورة التي ينطبق عليها النص مما ذكره علماؤنا، لأننا نعلم أن شرعنا لكل زمان ومكان فلعل صورة حادثة توافق ما نهى ? عنه فنحرمها حتى ولو لم نجد قائلا بها من العلماء باعتبارها نازلة، وهذه من أهم ميزات التشريع الإسلامي، وليس من مانع لتحريم هذه الصورة والقول ببطلان هذا العقد لو قدر أنها مما يتناوله الحديث السابق بالنهي، إلا أن دون ذلك أمور، منها أن النهي يتعلق بصفقتين معا وبيعتين معا أحداهما ينشأ أثرها مع الأخرى، ولا يقال بيع أو صفقة من حيث الاستعمال اللغوي إلا على ما أنجز، فكل بيع موعود به لا يسمى بيعا على سبيل الإطلاق، بل لا بد من إضافته إلى المستقبل، والقول ذاته يقال عن الصفقة، فليست تطلق العبارة إلا على ما كان ناجزا، وحين تكون معلقة فإنها تضاف إلى ما علقت به، فهنا لدينا عقد التأجير، أو صفقة الإجارة، وهي منجزة، وصفقة البيع الموعود به وهي غير منجزة، فكيف يصح تناول الحديث وانطباقه على الصورة المذكورة، وهما أمران أحدهما منجز والآخر ليس كذلك، هذا ما لا يصح ولا يجوز لغة أو شرعا، لأن النهي عن بيعتين لا عن بيع أو صفقة منجزة وأخرى معلقة، وحيث لا يتناول النص تلك الصورة ولا ينطبق عليها فليس مما حرم الإسلام أو نهى عنه الشرع، وقد قال تعالى:" وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه"،ثم الأصل في هذا الباب الجواز، وليس مع من جعل الأصل المنع دليل يصلح للاحتجاج به لما ذهبوا إليه، قال الشوكاني في السيل الجرار (ج: 4 ص: 108):"أخرج الدارقطني من حديث أبي ثعلبة رفعه إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم؛ فحرم من أجل مسألته، وفي الصحيحين أيضا من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وفي الباب أحاديث شاهدة لثبوت أصالة الحل في كل شيء ما لم ينقل عنه ناقل تقوم به الحجة"،ولذا لا مساغ للقول بتحريم مثل هذه المعاملة، أو ببطلانها.

وهل بقي شيء؟

نعم بقي أمر الصيغة التي أزعم أنها أهم سبب جعل الكثيرين يذهبون إلى تحريم هذه المعاملة، ويظنونها من قبيل الصفقتين في صفقة، وهو صحيح لأول وهلة، ذلك أن عبارة التأجير المنتهي بالتمليك، توحي كما لو كان التأجير والتمليك ناجزين، وهو ما ليس منصوصا عليه في العقد، بل مجرد تسمية للعقد بغير اسمه، لأن الواقع أنه عقد تأجير منتهي تماما لتبدأ معاملة جديدة هي ما سبق الوعد به من طرف واحد (وهو الشركة) حيث سوف يتأمل المشتري أمره، إن أراد الشراء وإلا فلا، فهو كما لو جاء للتو وليس مما تربطه بتلك السلعة أية صلة ليشريها بناء على وعد من البائع معلق بهذا الوقت، وهو ملتزم بإبراز السلعة للمشتري ليرى رأيه، فإن أعجبته أخذها وإلا فلا، ولذا لو جعلنا اسم العقد التأجير مع الوعد بالبيع لسلم العقد من الطعون التي وجهت إليه ولوجدنا الغالبية لا تتحرج من القول بجواز مثل هذه المعاملة، وسيقال هو تأجير مع الوعد بالبيع.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير