تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4]، وسورة المدثر في أول المنزل، فيكون فرض التطهير من النجاسات على قول هؤلاء من أول الفرائض. فهذا هذا وإما أن يقال: هذا دليل على جواز حمل النجاسة في الصلاة وعامة من يخالف في هذه المسألة، لا يقول بهذا القول، فيلزمهم ترك الحديث. ثم هذا قول ضعيف لخلافه الأحاديث الصحاح في دم الحيض وغيره من الأحاديث. ثم إني لا أعلمهم يختلفون أنه مكروه، وإن إعادة الصلاة منه أولي، فهذا هذا. لم يبق إلا أن يقال: الفرث والسلي ليس بنجس وإنما هو طاهر؛ لأنه فرث ما يؤكل لحمه، وهذا هو الواجب ـ إن شاء الله تعالى ـ لكثرة القائلين به وظهور الدلائل عليه. وبطول الوجهين الأولين يوجب تعين هذا.

فإن قيل: ففيه السلي وقد يكون فيه دم قلنا: يجوز أن يكون دمًا يسيرًا، بل الظاهر أنه يسير. والدم اليسير معفو عن حمله في الصلاة.

فإن قيل: فالسلي لحم من ذبيحة المشركين، وذلك نجس، وذلك باتفاق. قلنا: لا نسلم أنه قد كان حرم ـ حينئذ ـ ذبائح المشركين، بل المظنون أو المقطوع به أنها لم تكن حرمت حينئذ، فإن الصحابة الذين أسلموا لم ينقل أنهم كانوا ينجسون ذبائح قومهم. وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه أنه كان يجتنب إلا ما ذبح للأصنام. أما ما ذبحه قومه في دورهم لم يكن يتجنبه، ولو كان تحريم ذبائح المشركين قد وقع في صدر الإسلام، لكان في ذلك من المشقة على النفر القليل الذين أسلموا ما لا قبل لهم به، فإن عامة أهل البلد مشركون. وهم لا يمكنهم أن يأكلوا ويشربوا إلا من طعامهم وخبزهم. وفي أوانيهم، لقلتهم وضعفهم وفقرهم. ثم الأصل عدم التحريم ـ حينئذ ـ فمن ادعاه احتاج إلى دليل.

الدليل السابع ـ وهو العاشر: ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الاستجمار بالعظم، والبعر، وقال: (إنه زاد إخوانكم من الجن). وفي لفظ قال: (فسألوني الطعام لهم ولدوابهم، فقلت: لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يعود أوفر ما يكون لحمًا، وكل بعرة علف لدوابكم)، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فلا تستنجوا بهما، فإنهما زاد إخوانكم من الجن).

فوجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يستنج بالعظم والبعر ـ الذي هو زاد إخواننا من الجن، وعلف دوابهم ـ ومعلوم أنه إنما نهى عن ذلك؛ لئلا ننجسه عليهم، ولهذا استنبط الفقهاء من هذا أنه لا يجوز الاستنجاء بزاد الإنس. ثم إنه قد استفاض النهى في ذلك. والتغليظ حتي قال: (من تقلد وترًا، أو استنجي بعظم، أو رجيع، فإن محمدًا منه بريء).

ومعلوم أنه لو كان البعر في نفسه نجسًا، لم يكن الاستنجاء به ينجسه، ولم يكن فرق بين البعر المستنجي به والبعر الذي لا يستنجي به، وهذا جمع بين ما فرقت السنة بينه. ثم إن البعر لو كان نجسًا، لم يصلح أن يكون علفًا لقوم مؤمنين، فإنها تصير بذلك جلالة. ولو جاز أن تصير جلالة، لجاز أن تعلف رجيع الإنس، ورجيع الدواب، فلا فرق ـ حينئذ. ولأنه لما جعل الزاد لهم ما فضل عن الإنس، ولدوابهم ما فضل عن دواب الإنس من البعر، شرط في طعامهم كل عظم ذكر اسم الله عليه، فلابد أن يشرط في علف دوابهم نحو ذلك، وهو الطهارة.

وهذا يبين لك أن قوله في حديث ابن مسعود لما أتاه بحجرين وروثة فقال: (إنها ركس)، إنما كان لكونها روثة آدمي، ونحوه، على أنها قضية عين، فيحتمل أن تكون روثة ما يؤكل لحمه، وروثة ما لا يؤكل لحمه، فلا يعم الصنفين، ولا يجوز القطع بأنها مما يؤكل لحمه، مع أن لفظ الركس لا يدل على النجاسة، لأن الركس هو المركوس أي المردود، وهو معني الرجيع، ومعلوم أن الاستنجاء بالرجيع لا يجوز بحال، إما لنجاسته وإما لكونه علف دواب إخواننا من الجن.

الوجه الثامن ـ وهو الحادي عشر ـ: أن هذه الأعيان، لو كانت نجسة، لبينه صلى الله عليه وسلم. ولم يبينه، فليست نجسة؛ وذلك لأن هذه الأعيان تكثر ملابسة الناس لها ومباشرتهم لكثير منها خصوصًا الأمة التي بعث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإن الإبل والغنم غالب أموالهم، ولا يزالون يباشرونها ويباشرون أماكنها في مقامهم وسفرهم ـ مع كثرة الاحتفاء فيهم ـ حتي أن عمر ـ رضي الله عنه ـ كان يأمر بذلك: تمعددوا واخشوشنوا وامشوا حفاة وانتعلوا. ومحالب الألبان كثيرًا ما يقع فيها من أبوالها وليس ابتلاؤهم بها، بأقل

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير