ـ[حارث همام]ــــــــ[19 - 06 - 04, 07:23 م]ـ
أخي الفاضل أرجو أن نتريث عند وصفنا لفعل دأب عليه كبار الصحابة -وحسبك بأبي بن كعب رضي الله عنه- بأنه بدعة.
ولا أريد هنا أن أرد رداً مفصلاً ولكنها تنبيهات وإشارات أسأل الله أن ينفعي وإياك بها.
أما الوقفة الأولى فمع سؤالكم الأول: "الرسول صلى الله عليه وسلم صلى ثلاثة أيام من العشر الأواخر في الليالي الوتر وكان يتحرى ليلة القدر ولم يقم رمضان كله والعبادات الأصل فيها التوقف فكيف تصلي كل رمضان؟ "
والجواب:
على هذا قرره أهل العلم كالشاطبي وشيخ الإسلام وغيرهم فقد بينوا أن الفعل إذا ترك المداومة عليه لمقتض يختلف حكمه عن الفعل الذي تركت المداومة عليه لغير مقتض.
وبهذا ينبغي أن نفرق بين الأفعال فنحكم بسنية ما كان تركه لعدم مقتض، أو فوات شرط، أو وجود مانع، وحدث بعده من المقتضيات والشروط وزوال المانع ما دلت الشريعة على فعله حينئذ؛ كجمع القرآن في المصحف، وجمع الناس في التراويح على إمام واحد. وتعلم العربية، وأسماء النقلة للعلم، وغير ذلك ما يحتاج إليه في الدين، بحيث لا تتم الواجبات أو المستحبات الشرعية إلا به، وإنما تركه صلى الله عليه وسلم لفوات شرطه أو وجود مانع.
فأما ما تركه من جنس العبادات، مع أنه لو كان مشروعا لفعله، أو أذن فيه، ولفعله الخلفاء بعده، والصحابة. فيجب القطع بأن فعله بدعة وضلالة، ويمتنع القياس في مثله، وإن جاز القياس في النوع الأول. وهو مثل قياس [صلاة العيدين، والاستسقاء، والكسوف] على الصلوات الخمس، في أن يجعل لها أذانًا وإقامة، كما فعله بعض المراونية في العيدين. (وقد قرر هذا شيخ الإسلام في غير موضع وأرجو تأمله).
الوقفة الثانية مع تعقيبكم الثاني ونصه: "أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لم يقل إنها سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وقال " إني أرى لو جمعت الناس على إمام واحد لكان أمثل " وهذا دليل على إن هذا اجتهاد ورأي من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم قال " نعمت البدعة " وهذا تصريح منه رضي الله عنه إنها بدعة حسنه وهو أول من قسم البدعة إلى قسمين حسنه ومذمومة".
والجواب:
لاتحاكم لفظ عمر رضي الله عنه بإصطلاح الفقهاء الحادث بعده، وفي مثل هذه النصوص رجح محققوا الأصوليين تقديم الحقيقة اللغوية.
والحقيقة اللغوية تقتضي حمل معنى البدعة هنا على ما ذكره ابن رجب حيث قال: "مراده أن هذا الفعل لم يكن على هذا الوجه قبل هذا الوقت ولكن له أصل في الشريعة يرجع إليها فمنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحث على قيام رمضان، ويرغب فيه وكان الناس في زمنه
يقومون في المسجد جماعات متفرقة ووحداناً .. " وهذا هو المعنى اللغوي غير أنه مقيد بقيود ألزقت به بعض الأوصاف وأخرجت بعضها وسبب هذا التقييد هو ما أشار إليها ابن رجب من إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لقيام الناس زرافات وححداناً، وغير ذلك من نصوص الشرع.
ثم كيف يحمل قول عمر على البدعة الاصطلاحية مع أن بعض الصحابة كانوا يقومون زرافات قبل جمع عمر رضي الله عنه لهم رضوان الله عليهم؟
وقد ثبت أن الناس كانوا يقومون أوله فجاء عمر فجمعهم على إمام واحد
ورتبها لهم في الشهر أجمع وهذا ما لم يكن قبل، ولهذا سمى ما صنعه بدعة من حيث الإطلاق اللغوي فما صنعه جديد، وإن كانت أصول الشرع جاءت به. قال ابن رجب –رحمه الله- في جامع العلوم والحكم: "وأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه، فليس ببدعة شرعاً، وإن كان بدعة لغة" ولهذا قال شيخ الإسلام: " أما صلاةَ التراويح فليست بدعةً في الشريعة، بل هي سنة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله،فإنه قال: " إن الله فرض عليكم صيام رمضان، وسننت لكم قيامه "، ولا صلاتها جماعة بدعة، بل هي سنة في الشريعة، بل قد صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجماعة في أول شهر رمضان ليلتين، بل ثلاثا. وصلاها أيضاً في العشر الأواخر في جماعة مرات، وقال: " إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة"، لما قام بهم حتى خشوا أن يفوتهم الفلاح رواه أهل السنن، وبهذا الحديث احتج أحمد وغيره على أن فعلها في الجماعة أفضل من فعلها في حال الانفراد ....
¥