قال أبو بكر: هذه اللفظة: " إلا وراءكم " هو عندي من باب الأضداد , ويريد: أمامكم , لأن ما قد مضى هو وراء المرء , وما يستقبله هو أمامه , والنبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد: ما أحسب ما تطلبون- أي ليلة القدر -إلا فيما تستقبلون , لا أنها في ما مضى من الشهر وهذا كقوله عز وجل: (وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا). [الكهف: 79]. يريد كان أمامهم. (صحيح ابن خزيمة 3/ 337).
وإذا تبين لكم إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلي إلا هذه الليالي ولسبب وهو تحري ليلة القدر فكيف تصلون الشهر كله والعبادات الأصل فيها التوقف فإن قيل لكن الذي فعلها عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو خليفة راشد ونحن مأمورون بأتباعه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين " فهذا قول مردود كما قال الشيخ الألباني في مسألة متعة الحج:
-:" سبحانك هذا بهتان عظيم , فنحن لم نقل بوجوب المتعة ألا اتباعا لسنته صلى الله عليه وسلم وفرارا من غضبه على الذين أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة , ولم يبادروا إلى اتباعه فورا , كما رواه مسلم وغيره , وهو مذكور في مقالنا المنشور في الجزء (1 - 4).
مع غيره من الأحاديث التي في معناه, فكيف جاز للشيخ حمدي أن يتهمنا المكشوفة؟! وإن كان يعني أننا ضربنا عرض الحائط ببعض الحديث المذكور, وهو "سنة الخلفاء الراشدين" فهو غير صحيح أيضاً, لأن الخلفاء الراشدين لم يتفقوا على خلاف ما ذهبنا إليه في التمتع بالحج بل ثبت في صحيح مسلم (6404) أن علياً رضي الله عنه كان يأمر بها, و رضي الله عنه لا يعرف عنه قول بخلافه, فأين مخالفتنا الخلفاء
الراشدين المزعومة؟! بله ضربنا عرض الحائط بقوله صلى الله عليه وسلم:"فاللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ... ولعلا الشيخ من أولئك الذين يظنون أن معنى قوله عليه السلام:"وسنة الخلفاء الراشدين" أي أحدهم, ثم لا يبالون بعد ذلك أكان له مخالف منهم أم لا, فليعلم هؤلاء الظانون أن هذا التفسير خطأ محض, وأن الصواب فيه: أي مجموعهم, يعني ما اتفق عليه الخلفاء الراشدين, وأما إذا اختلفوا فمحال أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم باتباع كل منهم على ما بينهم من اختلاف, وإنما المرجع حينذاك قول الله تبارك وتعالى:"فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم والآخر ذلك خير وأحسن تأويلا" على أن لبعض العلماء رأياً آخر في تفسير الحديث هذا, فقد جاء في إيقاظ الهمم ص 32:"وقال يحيى بن آدم: لا تحتاج مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قول أحد, وإنما يقال: سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهم, ليعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم مات وهو عليها. أقول: وعلى هذا ينبغي أن يحمل حديث:"عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي" فلا يرى فيه إشكال في العطف فليس للخلفاء سنة تتبع إلا ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم. أهـ (مقالات الألباني جمعها نور الدين طالب 146 - 147 - 148. ومجلة التمدن الإسلامي 23/ 761 - 770).
وقال أيضاً:"وبهذه المناسبة أقول: من المشهور الاستدلال في رد دلالة حديث جابر هذا وما في معناه على أفضلية التمتع, بل وجوبه ثبت عن عمر وعثمان من النهي عن متعة الحج, بل ثبت عن عمر أنه كان يضرب على ذلك, وروي مثله عن عثمان. (انظر المحلى 7/ 107)
حتى صار ذلك فتنة لكثير من الناس وصاداً لهم عن الأخذ بحديث جابر المذكور وغيره, ويدعمون ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين: وقوله:"اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر", ونحن نجيب عن هذا الاستدلال غيرة على السنة المحمدية من وجوه: الأول: أن هذين الحديثين لا يراد بهما قطعاً اتباع أحد الخلفاء الراشدين في حالة كونه مخالفاً لسنته صلى الله عليه وسلم باجتهاده, لا قصداً لمخالفتها, حاشاه من ذلك, ومن أمثلة هذا ما صح عن رضي الله عنه أنه كان ينهى من لا يجد الماء أن يتيمم ويصلي!! (أخرجه الشيخان).
¥