وهنا لطيفة: لما كان عمر رضي الله عنه هو السائل عن العلة العارف لها بتعليم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من الطبيعي كونه أول المتفطنين لها المحيين لسنته صلى الله عليه وسلم.
والخلاصة هذا التعليل ليس من كيسي حتى يقال ضعيف ويعترض عليه بآراء منطقية وإنما هو من كلام النبوة الصحيح الثابت فتفطن.
ولعلك لو تأملت حديث البخاري سقط سؤالك الوارد ضمن طيات الرد على هذه المسألة وهو قولك: فلماذا لم يصليها في الأوتار فقد صلاها فيها!
ثم قولك أن الراجح هو تقديم المعنى الاصطلاحي في لسان غير أهله فهذا لم يقله الأستاذ الأشقر وفقه الله ولو قاله لرد عليه.
ومانقلته لايؤيدك ولعل فيه خلط بين الحقيقة الشرعية والحقيقة الاصطلاحية، والكلام إنما هو على الأخير يرحمك الله ولاعلاقة له بالأول فلسنا في معرض الحديث عن نصوص وحيين.
وهذا لايكاد يقول أحد فيهم بتقديم المعنى الاصطلاحي في لسان غير أهله على المعنى اللغوي فضلاً عن أن يرجحه الأشقر وهو من قبيل قول من يقول بتقديم المجاز على الحقيقة لكون الحقيقة الاصطلاحية ضرب من المجاز عند من يقول به.
ثم إن المراد هنا لايمكن أن يحمل إلاّ على المعنى الذي ذكره ابن رجب، فكيف يقال بدعة بصطلاحكم والناس تصليها من بين يديه ومن خلفه جماعات بل هي على ذلك منذ عهد النبوة بل قد فعلها النبي صلى الله عليه وسلم نفسه!
أما قولكم:" ليس كل شيء له أصل في الشريعة تشرع المواظبة" فنعم ولكن ما تركت المداومة عليه لمقتض ثم زال ذلك المقتض فقد قرر أهل العلم كالشاطبي وغيره أنه ليس بدعة وقد سبق نقل كلام شيخ الإسلام في بيان ذلك وقد طبق عليه المسألة محل النزاع.
وبناء عليه يكون التفريق بين قيام ليل سائر الأيام وقيام ليل رمضان الفيصل فيه تركه في رمضان لمقتض نص عليه الشرع وتركه في غيرها لادليل على وجود مقتض له.
وقلتم كذلك:"أي الدليل على قولك إنهم كانوا يقومون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم جماعات متفرقة".
وأنا لم أقل ذلك وإنما نقلته عن ابن رجب أما الذي قلته فنصه: "ثم كيف يحمل قول عمر على البدعة الاصطلاحية مع أن بعض الصحابة كانوا يقومون زرافات قبل جمع عمر رضي الله عنه لهم رضوان الله عليهم؟ وقد ثبت أن الناس كانوا يقومون أوله فجاء عمر فجمعهم على إمام واحد".
ودليل ذلك حديث البخاري وغيره عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم قال عمر نعم البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله.
ومازال السؤال قائماً كيف تكون بدعة اصطلاحية والناس يفعلونه قبل أمر عمر زرافات ووحدانا؟
أما إذا كان إنكارك منصباً على قول ابن رجب وتسأل ما دليله فلعله حديث الإمام أحمد وأبوداود وغيرهما ولعله صالح للاحتجاج (قال الألباني: حسن صحيح وصححه في التروايح) وموضع الشاهد منه كان الناس يصلون في المسجد في رمضان أوزاعا فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربت له حصيرا فصلى عليه بهذه القصة قالت فيه قال تعني النبي صلى الله عليه وسلم أيها الناس أما والله ما بت ليلتي هذه بحمد الله غافلا ولا خفي علي مكانكم.
قال العلامة الألباني في التراويح: "ويبعد أن يقوله أبي ويوافقه عمر رضي الله عنهما وقد كان هذا الاجتماع في عهده صلى الله عليه وسلم كما سبق بيانه بالأحاديث الصحيحة في الفصل الأول والمفروض أنهما شهدا أو على الأقل علما ذلك، وهما من هما في العلم" فراجعه لزاماً.
والنتيجة لعلك تسرعت في قولك: "ولم يثبت أن الناس صلوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم جماعات متفرقة كما تدعي." من جهتين من جهة أنه ثبت، ومن جهة أني ناقله لست قائله.
وأما الزعم بأن الفعل صار بدعة مع أنه موجود قبل عمر رضي الله عنه لأنه شرع لهم المواظبة على الجماعة ولم تكن موجودة فقد سبق رده ببيان أن الترك في العهد النبوي للفعلها مع النبي صلى الله عليه وسلم كان لمقتض ومثل هذا لايصح أن تبدع من فعله عند زوال المقتض. (راجع كلام الشاطبي وشيخ الإسلام).
¥