ومع ذلك يقال كلامه غير ظاهر فيما ذهبت إليه وغاية مافيه أنه استفاد من حديث عائشة وتحديداً من قولها (واستمر يصليها في بيته فرادى إلى آخر الشهر) أنها لم تشرع إلاّ في آخر سني الهجرة فلم يرد أنه صلاها (أي التراويح) مرة أخرى أي سنة أخرى كما في أول عبارته (إلاّ في آخر سني الهجرة). وهذا لاينفي صلاته لها في تلك السنة وفي ذلك الشهر أكثر من مرة. (هذا ظاهر كلامه وقد يبدو فيه نظر للمتأمل)
وبما أنكم استدللتم بهذا فيقال بل فيه دليل عليكم يفيد تباين حادثة حديث عائشة عن غيرها وهي أنها ذكرت أنه استمر يصليها فرادي إلى آخر الشهر، فإن كنت تقول بقول ابن عبدالبر –رحمه الله- صلاها بهم ليلة سبع وعشرين، فيلزمك أن تقول لم يخرج عليهم الليلة الرابعة وهي ليلة تسع وعشرين، فكم بقي من الشهر بعد التسع الأخير؟ وهل ما بقي يناسب القول المنسوب لعائشة رضي الله عنها والذي أشرتم إليه في كلام القيلوبي (استمر يصليها فرادى إلى آخر الشهر).
فإن قلت كانت الرابعة ليلة ثمان وعشرين، فإن هذا ينقض القول بتحريها في الأوتار، وما الذي يمنع بعدها من أخذ حديث عائشة على ظاهرة ما داموا يتحرونها في الأوتار وغيرها.
وكلام الجمل في فتوحات الوهاب 1/ 489 أقرب فيما ذهبت إليه ولكن ليس معه حجة. مع أنه –فيما يظهر- مال إلى كونها شرعت في السنة الثانية من الهجرة.
ثم إن نقلكم عن القيلوبي والبجيرمي وعبدالحميد تكرار فبعضه من بعض ولعلك تلحظ أن جميعهم من محشي التحفة للهيتمي أو أصلها المنهاج ولذا أخذ بعضهم من بعض.
على أنهم خالفوا بعض أئمة الشافعية في ذلك فهذا إمامهم الماوردي –عليه رحمة الله- يقول في الحاوي (2/ 290): "أما الأصل في قيام شهر رمضان وهي صلاة التراويح ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الناس في أول ليلة من شهر رمضان، فجمعهم وصلى بهم، ثم خرج إليهم في الليلة الثانية فجمعهم وصلى بهم، فلما كانت الليلة الثالثة انتظروه فلم يخرج إليهم فصلوا متفرقين فلما أصبحوا قال .. " وذكر آخر حديث عائشة عند البخاري.
ولهذا تجد في نهاية المحتاج للرملي في تعليقات علي بن علي الشبراملي قول المحشي: "وانظر هل الثلاث كانت من أول الشهر أو وسطه أو آخره؟ فيه نظر والظاهر الأول فليراجع" [نهاية المحتاج بحاشيتي أبي الضياء الشبراملي وأحمد عبدالرزاق 2/ 125].
وهذا كالنص على أن الحديثين متغايرين فتأمل.
أما قولهم أنها في أوله فمبناه على آثار فيها مقال، ولئن كانت ضعيفة فهي أولى من حمله على آخر الليل بمجرد رأي لادليل عليه والله أعلم.
أما كلام المعلمي فلايساعدكم ظاهره إلى بتأويل ولو تكرمت ببيان وجه الشاهد فيه على قولكم فجزاكم الله خيراً.
أما قول الإمام ابن خزيمة فمحتمل فقد يكون ليس مراده أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل غير تلك الثلاثة مطلقاً بالناس.
ولكن مراده خص تلك الثلاثة لكون ليلة القدر فيها حصراً. ولا أدل على ذلك من الباب الذي قبله: (باب الصلاة جماعة في قيام شهر رمضان ضد قول من يتوهم أن الفاروق هو أول من أمر بالصلاة جماعة في قيام شهر رمضان).
وعلى كل حال ابن خزيمة يرى أن قيامها سنة وهو الذي بوب في صحيحه: " باب إمامة القارئ الأميين في قيام شهر رمضان مع الدليل على أن صلاة الجماعة في قيام رمضان سنة النبي صلى الله عليه وسلم لا بدعة كما زعمت الروافض" (3/ 339).
ولعل الصواب أن ما جاء في حديث أبي ذر حصل في عام تحرى بهم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة القدر في الأوتار، وما في حديث عائشة في عام بعده وبعدها لم يصل صلى الله عليه وسلم بالناس لما جاء في بعض روايات حديث عائشة (وقد رجح ابن حجر أنها من الزهري) فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك.
ملاحظة: جميع من نقلتَ عنهم يقولون بسنية صلاة التراويح، فلا أدري لماذا أخذت قول بعضهم بتوجيه الليالي في حديث عائشة بحديث أبي ذر ولادليل عليه وقد خالفهم غيرهم كما مر، ولم تأخذ بقولهم بالسنية والدليل قائم عليه مع أنه لم يخالفهم في القول بالسنية أحد.
وأخيراً لعلي بعد العودة من سفري أكمل النقول عن أهل العلم في تقرير خلاف ما نقلتموه عن بعضهم وجزاكم الله خيراً ..
ـ[ابن وهب]ــــــــ[21 - 07 - 04, 08:06 م]ـ
فائدة
حول ما جاء في الموضوع من تضعيف الروايات برواية مصنف ابن أبي شيبة
انظر
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?threadid=539&highlight=%ED%CE%E1+%C8%C7%E1%E3%DA%E4%EC
وقد أشار الى ذلك الشيخ عبد الرحمن السديس وفقه الله فيما سبق
وكيع فقيه وصاحب مصنف
وابن أبي شيبة كذلك فقد يختصرون الراوية
ولذلك أمثلة كثيرة تجد رواية (في الصحيح) عن عطاء مختصرة وتجدها مطولة في مصنف عبدالرزاق أو أخبار مكة للفاكهي
ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[30 - 07 - 04, 05:47 م]ـ
في ذيل الطبقات لابن رجب في ترجمه عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق بن مَنْدَه الأصبهاني الإمام الحافظ، أبو القاسم ابن الحافظ الكبير أبي عبد الله بن مَنْده
قال ابن رجب في أثناء ترجمته: وبأصبهان طائفة من أهل البدع ينتسبون إلى ابن منده هذا، وينسبون إليه أقوالاً في الأصول والفروع، هو منها بريء ...
ومنها: أن صلاة التراويح بدعة، وقد ردّ عليهم علماء أصبهان من أهل الفقه والحديث، وبيّنوا أن ابن منده بريء مما نسبوه إليه من ذلك.
¥