وجه الاستدلال: أنَّ من خرج مهاجراً ثم مات قبل أن تتم هجرته فإنَّ له أجر المهاجر الذي تمت هجرته؛ ولا يحصل على أجر المضاعفة بدليل ما سيأتي في الذي بعده، أو يقال: أن هذه المسألة خارج البحث، وذلك أنَّ هذه المسألة فيمن بدأ بالعمل وشرع فيه ثم أدركته المنية فيحصل على أجر العمل مع المضاعفة!
3 – قوله – صلى الله عليه وسلم – في هذا الحديث: " إلا شركوكم في الأجر ".
وجه الاستدلال: أنَّ قوله – صلى الله عليه وسلم –: " ما سرنا مسيراً، ولا قطعنا وادياً " وفي اللفظ الآخر: " ما سلكنا شعباً " يدل على أنَّ لهم أجر هذه الأعمال ولم يتعرض للمضاعفة، فإذا نظرنا إلى حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – المتقدم: " ... فمن همَّ بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعافٍ كثيرة ... " اتضح لنا أنَّ المضاعفة معلَّقة على مباشرة العمل والفعل، وهذا الذي من أهل الأعذار لم يباشر العمل وإن همَّ به، فلا يحصل إلا على أجر العمل فقط.
4 – حديث أبي كبشة الأنماري – رضي الله عنه – مرفوعاً: " ... إنما الدنيا لأربعة نفر: عبدٍ رزقه الله مالاً وعلماًفهو يتقي ربه فيه، ويصل به رحمه، ويعلم لله فيه حقاً فذا بأفضل المنازل، وعبدٍ رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية يقول: لو أنَّ لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان؛ فهو بنيته فأجرهما سواء، وعبدٍ رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً فهو يُخْبَطُ في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقاً؛ فهذا بأخبث المنازل، وعبدٍ لم يرزقه الله مالاً ولا علماً، فهو يقول: لو أنَّ لي مالاً لعملت فيه بعمل فلانٍ؛ فهو بنيته، فوزرهما سواء ".
وجه الاستدلال: أنَّ قوله – صلى الله عليه وسلم – في هذا الحديث: " فهو بنيته، فأجرهما سواء " أي: أنَّ نيته الصادقة أبلغته أجر من جمع بين العلم والمال،
ونقول: أنَّ أجر العمل ثابت بنص هذا الحديث دون المضاعفة، لما سبق بيانه في الذي قبله، ولما في الحديث الآتي.
5 – حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: أن فقاء المهاجرين أتوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقالوا: قد ذهب أهل الدثور بالدرجات العُلى، والنعيم المقيم. فقال: " وما ذاك؟! ". قالوا: يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق. فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: " أفلا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم، وتسبقون به مَنْ بعدكم؟! ولا يكون أحدٌ أفضلَ منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم ". قالوا: بلى، يا رسول الله!. قال: " تسبحون، وتكبرون، وتحمدون في دبر كل صلاةٍ ثلاثاً وثلاثين مرة ".
قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين لرسول الله –صلى الله عليه وسلم – فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا، ففعلوا مثله. فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ".
وجه الاستدلال: أنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم- أخبر بأنَّ من فعل الصدقة والعتق مع العمل الذي أرشد إليه فقراء المهاجرين بأنه أفضل من فقراء المهاجرين الذين لا يجدون ما يتصدقون به ويعتقون مع حرصهم على ذلك، فقال: " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ".
6 – أنَّ من مقتضى حكمة الله وعدله – سبحانه – أنْ لا يساوى القائم بالعمل والطاعة بغيره ممن همَّ بالعمل دون أن يعمله – وإن كان من أهل الأعذار – من كل وجهٍ؛ فيتميز العامل بالمضاعفة.
وبهذا الذي اخترناه – بإذن الله – تجتمع به النصوص، وتتفق الأدلة، وتستقيم الدلالة دون معارضة، والله أعلم.
ـ[عبدالله المزروع]ــــــــ[31 - 07 - 04, 03:11 ص]ـ
وهذا البحث في ملف وورد، وفيه بعض الفوائد، والإحالات:
ـ[عبدالله المزروع]ــــــــ[03 - 08 - 04, 10:58 م]ـ
مسألة: ما هو رأي ابن القيم – رحمه الله – في هذه المسألة؟!
عرض ابن القيم – رحمه الله لهذه المسألة في كتابه (طريق الهجرتين) (936) وأطال الكلام حولها، وذكر الأدلة والاعتراضات، ثم ذهب إلى تقسيم أهل الأعذار إلى قسمين:
القسم الأول: معذورٌ من أهل الجهاد غلبه عذره، وأقعده عنه، ونيته جازمة لم يتخلف عنها مقدورها، وإنما أقعده العجز؛ فهذا الذي تقتضيه الأدلة أنَّ له مثل أجر المجاهد ... .
القسم الثاني: معذور ليس من نيته الجهاد، ولا هو عازمٌ عليه عزماً تاماً، فهذا لا يستوي هو والمجاهد في سبيل الله ... .
قلت: أما القسم الثاني فهو خارج مسألتنا، لأنه لم ينو الجهاد؛ فهو كمن مرَّ على خاطره مروراً سريعاً لم يعقد فيه نية.
فالذي يظهر أنَّ ابن القيم – رحمه الله – في مسألة المعذور العازم على الجهاد: أنَّ له الأجر مع المضاعفة – وهو القول الأول في المسألة – هذا الذي فهمته من مجموع كلامه؛ ومن ذلك قوله: ... لأن قاعدة الشريعة أن العزم التام إذا اقترن به ما يمكن من الفعل، أو مقدمات الفعل نُزِّل صاحبه في الثواب والعقاب منزلة الفاعل التام ... ثم استشهد على كلامه.
¥