تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[إحسان العتيبي]ــــــــ[10 - 01 - 09, 01:52 ص]ـ

المرتبة الرابعة:

أن تتسبب إلى فرقته بمعصية مثل أن تنشز عليه أو تسيء العشرة بإظهار الكراهة في بذل حقوقه، أو غير ذلك مما يتضمن ترك واجب أو فعل محرم، مثل طول اللسان ونحوه فإن هذا لا ريب أنه من أعظم المحرمات، وكل ما دل على تحريم النشوز وعلى وجوب حقوق الرجل، فإنه يدل على تحريم هذا؛ وهذا حرام من ثلاثة أوجه من جهة أنه في نفسه محرم؛ ومن جهة أنها تقصد به أن تزيل ملكه عنها بفعل هو فيه مكره إذا طلق أو خلع مفاديا من شرها؛ والاحتيال على إبطال الحقوق الثابتة حرام بالاتفاق، وإنما اختلف في إبطال ما انعقد سببه ولم يجب كحق الشفعة؛ وإن كان الصواب أنه لا يحل الاحتيال على إبطال حق مسلم بحال، ومن جهة أن مقصودها أن تتزوج غيره لا مجرد التخلص منه، وقريب من هذا أن تظهر معصية تنفره عنها ليطلقها، مثل أن تريه أنها تتبرج للرجال الأجانب؛ ويكونوا في الباطن ذوي محارمها فيحمله ذلك على أن يطلقها؛ فإن هذا الفعل حرام في نفسه؛ إذ لا يحل للمرأة أن تري زوجها أنها فاجرة؛ كما لا يحل لها أن تفجر؛ فإن هذا أشد إيذاء له من نشوزها عنه؛ فهذا أشد تحريما وأظهر إبطالا للعقد الثاني من خطبة الرجل على خطبة أخيه. وهذا نظير أن يخبب الرجل على امرأته ليتزوجها فإن السعي في التفريق بين الزوجين من أعظم المحرمات؛ بل هو فعل هاروت وماروت وفعل الشيطان المحظي عند إبليس؛ كما جاء به الحديث الصحيح. ولا ريب أنه لا يحل له تزوجها؛ ثم بطلان عقد الثاني هنا أقوى من بطلانه في المسألة الأولى، وأقوى من بطلان بيعه على بيع أخيه وشرائه على شرائه.

فإن فسخ العقد الأول هنا حصل بفعل مباح في الأول لو تجرد عن قصد مزاحمة المسلم، وهنا فيه قصد المزاحمة، وإن الفعل في نفسه محرم ومع هذا فقد صحح بعض أصحابنا العقد الثاني، وإنما صار في صحة مثل هذا خلاف؛ لأن التحريم لحق آدمي. ولأن المحرم متقدم على العقد الثاني، والاعتقاد أن التحريم هنا لا لمعنى في العقد الثاني ولكن لشيء خارج عنه؛ وقد تقدم التنبيه على هذا؛ لكن إن تزوجت بنية أن تفعل هذا بأن تنوي أنها تخلع منه فإن لم تطلق وإلا نشزت عنه، وأن تحتال عليه لتطلق " فهذا العقد الأول أيضا حرام؛ وإذا كان من تزوج بصداق ينوي أن لا يؤديه زانيا أو من أدان دينا ينوي أن لا يقضيه سارقا فمن تزوجت تنوي أن لا تقيم حقوق الزوج أولى أن تكون عاصية، فإنها مع أنها قصدت أن لا تفي بموجب العقد قد قصدت أن تفارقه لتتزوج غيره، فصارت قاصدة لعدم هذا العقد ولوجود غيره بفعل محرم، وتحريم هذا لا ريب فيه. وقد قال الله تعالى: {فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله} وهذه تنوي أن لا تقيم حدود الله فهي أبلغ من التي لا تظن إقامة حدود الله، وهذا مثل أن يبيع سلعة وبنيته أن لا يسلمها إلى المشتري أو يؤجر دارا بنية أن يمنع المستأجر من سكناها، بل هو أبلغ من ذلك لأنها تقصد بمنع الحقوق حمله على الفرقة، فتقصد منع حقوق العقد، وإزالة الملك، ومثل هذا العقد يطلق أصحابنا وغيرهم صحته؛ لأن العاقد الآخر لم يفعل محرما، ففي الحكم ببطلان العقد ضرر عليه، والإبطال إنما كان لحقه فلا يزال عنه ضرر قليل بضرر كثير، وليس العقد حراما من الطرفين حتى يحكم بفساده، ومتى حكم بالصحة من أحد الطرفين حكم بحل ما يأخذه صاحبه ذلك السوء فيحكم بوجوب عوضه عليه، وإلا كان آكلا له بالباطل، ومتى قيل بوجوب العوض عليه، فإنما يجب للآخر الخادع فصار كأنه قصد أخذ مال الغير بغير عوض، فأوجب الله عليه العوض الأول بغير اختياره، ولزم من هذا استحقاقه لذلك المال بغير اختيار. فصحة العقد توجب الاستحقاق من الطرفين، وحد الانتقاع مشروط ببذل العوض فإن منعت المرأة ما يجب عليها لم يكن لها حق على الزوج ومن أصحابنا من يقول بفساد مثل هذا العقد حتى قالوا مثل ذلك في النجش، وتلقي الركبان والمتوجه أن يقال يحرم عليه الانتفاع بما حصل له في هذا العقد مع حل الانتفاع للآخر، كما تقول في الرجل يحول بين الرجل وبين ماله فعليه بدله ينتفع به مالك المال حلالا مع أن الحائل لا يحل له الانتفاع بما في يديه من المال الذي حال بين مالكه وبينه، فكان العقد صحيحا بالنسبة إلى أحدهما فاسدا بالنسبة إلى الآخر، ومعنى التصحيح ما حصل العوض المقصود به وهذا مما يمكن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير