تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الرحمة في هذه المسألة أن الجمعة إن تعددت لغير حاجة في البلد الواحد في مواضع، فالجمعة للسابق ويصلي الباقون الظهر لفساد جمعتهم، وإن أشكل السابق أعادوا كلهم ظهرًا , ولو أعادت طائفة منهم الجمعة أجزأهم ذلك، ومسألة الإشكال لا تتأتى إلا إذا اجتمعوا وتذاكروا فظهر لكل فريق منهم ما أوقع في نفسه الريب والشك في سبقه بالجمعة، وأما قبل الاجتماع بالفريق الآخر الذي أقام جمعة ثانية وثالثة والتحدث معهم فلا يحصل الشك، يدل على ذلك ما قاله الشافعي وهو قوله: (ولو أشكل ذلك عليهم فعادوا فجمعت منهم طائفة ثانية في وقت الجمعة أجزأهم ذلك) ا هـ فهل يستقيم ذلك إلا بعد الاجتماع والتحدث؟ وإلا فكيف يحكمون بفساد جمعتهم كلهم بدون تثبت؟ وأما إذا لم يُعلم السابق ولم يحصل إشكال بل صلى كل فريق ظانًّا أنه السابق , ولم يطرأ عليه ما شككه بسبقه فلا ظهر عليه وجمعته صحيحة , وهذه الصورة لم ينص عليها الشافعي , فينبغي حملها على ما قلناه لأن الأصل عدم سبق غيره له , ولم يكن هناك ما يعارضه فيبقى ما كان على ما كان. على أنه لو فرضنا أن الجمعة في بيروت ونحوها متعددة لغير حاجة - وإن كان الواقع خلافه بناء على القول المعتمد - فلا تلزم بعدها الظهر أيضًا , والسبب في ذلك عدم معرفة السابق بالجمعة وعدم الشك بالسبق؛ لأن كل إنسان يصلي ظانًّا أنه السابق , ويذهب لأشغاله , ولم يكن هناك اجتماع ولا تحادث في السابق حتى يعلموا فساد جمعتهم أو الشك في صحتها , بل من الغريب أن الداخل إلى المسجد من الطلبة أو العامة موطن نفسه على صلاة الظهر بعد انقضاء صلاة الجمعة بدون تثبت ولا تحقق، معتقدين أن الجمعة لا تجزئهم لأنها صارت عادة لهم قضى بها التقليد الأعمى الصرف. وكيف يجوز أن يصلي المرء صلاة معتقدًا أنها لا تجزئه! لعمري لم ينقل عن الشافعي ولا أصحابه ما يجيز ذلك بل ولا عن أحد من الأئمة اللهم إلا بعض الفقهاء المتأخرين، الذين لا يجوز تقليدهم لأحد من المسلمين. هذا وممن يقول بعدم لزوم الظهر بعدها من علماء الشافعية الأحياء عَلَمان من أعلامهم , وبحران من بحورهم لا يمكن أن ينكر فضلهما أو يجحد علمهما , وهما الأستاذ العلامة الفقيه المحدث الشيخ عبد الباسط الفاخوري مفتي مدينتنا بيروت , والشيخ الفقيه الزاهد المفضال خاتمة المحققين في المذهب الذي أطلق عليه لقب الشافعي الصغير الشيخ عيسى الكردي، المتوطن في دمشق الشام. وقد نقل الموجبون لصلاتها عن كتاب الكفاية للأستاذ مفتي بيروت المتقدم ما يدل على وجوبها أو سنيتها , وألحقوة برسالة الشبراملسي بعد طبعها وتوزيعها , فإن كانوا يعتبرون أن كلامه ليس حجة فلا قيمة إذن لهذا النقل ولا حجة لهم به , وإن كانوا يعتبرون أنه حجة، فنقول لهم: إنه كتب ذلك مسايرة للفقهاء المتأخرين وقد رجع عن هذا القول كما صرح بذلك لمن استفتاه بهذا الخصوص، وقوله في المسألة هو ما فصلناه سابقًا , وقد ألف بهذا الخصوص رسالة مطولة جوابًا لسائل سأله أسمعني إياها. وقد نقل عدد من أهالي بيروت أن الفهامة المحدث الفقيه علامة وقته المرحوم الشيخ محمد الحوت الكبير البيروتي صاحب التآليف النافعة لم يكن يصلي الظهر بعد الجمعة أبدًا، وكذا ولده العالم الزاهد الشيخ عبد الرحمن أحد القائلين بوجوبها , قد ثبت بإقراره أنه لا يصليها في مناظرة جرت بينه وبين بعض القائلين بعدم مشروعيتها، وقد راقبته مرات فلم أره يصليها. وقد رأيت في كتاب الأجوبة العراقية للشيخ الآلوسي العلامة الشهير صاحب التفسير كلامًا في الموضوع , قال بعد أن أورد كلام متأخري الشافعية ما نصه: وكنت إذ أنا شافعي مقلدًا هذا القول (وهو جواز تعددها في البلد الواحد) فلم أكن أصلي الظهر بعد الجمعة. نعم كنت أحيانًا أصليها في بيتي , وأنكر في قلبي على من يصليها في الجامع بجماعة لما كنت أسمع من كثير من العوام ما يدل على اعتقادهم أن الله تعالى فرض على العباد يوم الجمعة وليلتها ست صلوات. وما كنت أرى منشأ لذلك أظهر من إلزام كثير من الشافعية لإقامة الظهر في المسجد الجامع بجماعة. وأنا اليوم أرى صلاة الظهر بعدها في البيت للاشتباه في تحقق بعض شروط الصحة , وإني ليضيق صدري ولا ينطلق لساني) ا هـ.


¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير