تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال: إن عدم التعدد في زمنهم دليل على عدم جوازه؛ فنقول له: قد أخطأت المرمى، فإن كثيرًا من الأمور لم تكن في عهد الرسول ثم دعت الحاجة والوقت إلى إيجادها؛ منها أن القرآن لم يكن مجموعًا في عهده صلى الله عليه وسلم , ثم رأت الصحابة رضوان الله عليهم أن من اللازم جمعه خشية ضياعه، وهكذا الأحاديث الشريفة كانت العلماء تتناقلها في الصدور , ثم رأوا من المصلحة كتبها في الدفاتر , وهكذا أكثر العلوم الدينية والعربية إلخ، فهل يقال لا يجوز فعل ما تقدم؟ نعم لا يجوز أن نخترع أمرًا دينيًّا لم يكن على عهد النبي إذا لم تحوج الضرورة إلى فعله كصلاة الظهر بعد الجمعة مثلاً. ثم إن عدم التعدد في زمانه عليه الصلاة والسلام ليس دليلاً على عدم جواز التعدد لأنه لم يرد قول يمنعه، ومن المعلوم المسلَّم المقرَّر أن الأصل في الشيء أن يكون مباحًا إلا إذا ورد دليل على تحريمه أو كراهته , وأي دليل ورد في ذلك؟ فالحق الحق عباد الله , فالحق أحق أن يتبع. إن شريعتكم سهلة سمحة لا تكلف فيها فلا تضيقوا على أنفسكم , فنبيكم يقول: (الدين يسر ولن يشادّ الدين أحد إلا غلبه) وقال أيضًا في حديث آخر: (إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها , وحدّ حدودًا فلا تنتهكوها , وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها). فعلمت مما تقدم أن الحق من مذهب الشافعي رحمه الله تعالى هو جواز تعدد الجمعة متى دعت الحاجة إلى ذلك , وهو ما تقتضيه قواعد الشريعة المطهرة , وأن المعتمد في تفسير الحاجة أن العبرة بمن تجب عليهم الجمعة صلوا أم لا , فإن كانوا لا يكفيهم مصلى واحد صلوا في عدد يكفيهم من المساجد، وعليه فالمساجد التي تقام فيها الجمعة في بيروت ومصر وما ضارعهما من المدن متعددة للحاجة , بل هي أقل من الحاجة إذ لو صلى كل من تلزمهم الجمعة لضاقت عليهم المساجد , وبقي منهم جمّ بلا صلاة كما هو المشاهد في رمضان والأعياد. * * * البحث الثاني في الكلام على الظهر بعد الجمعة علمت في البحث السابق الكلام على التعدد وأن الحق جوازه. وإنا ذاكرون لك في هذا الفصل الكلام على صلاة الظهر بعد الجمعة إذا تعددت، فنقول: إن ذلك واقع فيما إذا كان تعددها لغير حاجة , فإن الظهر تلزم بعدها في صور نذكرها لك قريبًا، وأما إذا تعددت لحاجة فلا ظهر بعدها مطلقًا بل هي باطلة قطعًا إن صُليت، ولا يقال: تُسن الظهر إذا تعددت لحاجة خروجًا من خلاف من أوجبها؛ لأنا نقول: بل السنة , بل الواجب تركها مراعاة لمن لم يقل بها لأنها لم يدل عليها دليل , بل هي مخالفة لعمل الإمام الشافعي رضي الله عنه لأنه لم يصلها في بغداد ولم يؤثر عنه قول في سنيتها مع التعدد لحاجة , فكيف نترك عمل الإمام ونعمل بغير قوله , إن هذا لمن العجب، على أن التقليد للشافعي لا لهم حتى يخترعوا أقوالاً لم يقلها أو يخالفوه أو يقولوا بغير قوله , ومع ذلك يقولون: هذا مذهب الشافعي , وما هو بمذهبه , وقد ذكرت لبعضهم أن كتاب (الأم) للإمام الشافعي يطبع في هذه الأيام , فقال: لا حاجة لنا به لأنه لا يجوز أن نعمل إلا بكلام المتأخرين، يعني لا يجوز له تقليد الشافعي!!! فاسمع هذا واعجب .... نعم لو ظهر أن كلام الإمام مخالف للدليل وكلام أتباعه موافق له يجب أن نترك قول الشافعي ونتبع أتباعه؛ لأن الشافعي أمر باتباع الدليل حيثما كان , وقد صح عنه أنه قال: (إذا صح الحديث فهو مذهبي) ونكون في هذه الحالة أيضًا متابعين للشافعي لا مناقضين له , ويفهم هذا السر من يفهمه ويجهله من يجهله، ولكنهم يخالفونه فيما لا دليل لهم عليه وذلك من عدم الاطلاع على كلامه , وإهمال كتب المتقدمين التي فيها الخير كله. وقد قال بعض الفقهاء عندنا معرضًا بالمانعين من صلاة الظهر بعد الجمعة: [أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْداً إِذَا صَلَّى] (العلق: 9 - 10) على أني أفسح صدري وأفتح أذني لسماع اعتراضه , وأجيبه عليه , وإن كان كلامه مما لا ينبغي أن يرد عليه , فأقول: أرأيت أيها الفقيه لو أن إنسانًا صلى الظهر ست ركعات مثلاً أتدعه يصلي أم تمنعه؟ أرأيت لو أن جاهلاً صلى نفلاً ليس له سبب متقدم أو مقارن في وقت من الأوقات المحظور فيها ذلك أتبيح له الصلاة أم تحظرها؟ أرأيت أرأيت إلخ .. ولنرجع إلى بحثنا فنقول: إن مذهب الشافعي عليه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير