تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذا مع سعة الاطلاع على الأخبار المروية، ومعرفة سائر أحوال الرواة التفصيلية، والخبرة بعوائد الرواة ومقاصدهم وأغراضهم، وبالأسباب الداعية إلى التساهل والكذب، وبمظنات الخطأ والغلط، ومداخل الخلل.

هذا مع اليقظة التامة، والفهم الثاقب، ودقيق الفطنة، وغير ذلك» (1).

وبعد: فهذه النقطة الأولى تعالج ترسخ فكرة أنَّ علم «علل الحديث» ضربٌ من الكهانة، ونوعٌ من الإلهام، وأنّه ينقدح في الذهن بلا مقدمات، وتبين أنّ هذا العلم كسائر العلوم التي من أتاها مِنْ أَبْوَابِهَا وصل إليها.

وأذكر هنا كلاماً رائعاً للعلاّمة السعدي - رحمه الله - يقول فيه: فائدةٌ: قوله ـ تعالى ـ: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} [البقرة: 189] يؤخذ من عمومها اللفظي والمعنوي أن كل مطلوب من المطالب المهمة ينبغي أن يؤتى من بابه، وهو أقرب طريق ووسيلة يتوصل بها إليه، وذلك يقتضي معرفة الأسباب والوسائل معرفة تامة ليسلك الأحسن منها، والأقرب والأسهل، والأقرب نجاحاً، لا فَرْق بين الأمور العلمية والعملية، ولا بين الأمور الدينية والدنيوية، ولا بين الأمور المتعدية والقاصرة وهذا من الحكمة» (2).

النقطة الثانية: (أخطار التقصير في هذا العلم)

بيان أهمية هذا الفن وضرورة العنايةِ به بالنسبة للمشتغلين بالحديث وعلومه، وتوضيح أنَّ كثيراً من الخلل في الأحكام على الأحاديث ناتجٌ عن القصور في علم العلل وعدم التفطن لدقائقه.

قَالَ ابنُ رجب ـ بعد ذكره لحديث أبي إسحاق قال: سألتُ الأسودَ بنَ يزيد عمّا حَدّثَتْ عائشة عن صلاةِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالت: «كان ينام أول الليل ويُحْيِي آخره، وإن كانت له حاجة إلى أهله قضى حاجته ولم يمسَّ ماء حتى ينام» ـ: «وهذا الحديثُ مما اتفق أئمةُ الحديثِ من السلف على إنكاره على أبي إسحاق، منهم: إسماعيلُ بنُ أبي خالد، وشعبةُ، ويزيدُ بنُ هارون، وأحمدُ بنُ حنبل، وأبو بكر بن أبي شيبة، ومسلمُ بنُ الحجاج، وأبو بكر بن الأثرم، والجوزجانيّ، والترمذيّ، والدارقطنيّ،…وَقَالَ أحمدُ بنُ صالح المصري الحافظ: لا يَحِلُّ أن يُروى هذا الحديث - يعني أنه خطأ مقطوع به فلا تَحِلُّ روايته من دون بيان علته.

وأمّا الفقهاء المتأخرون: فكثيرٌ منهم نظر إلى ثقةِ رجالهِ فظنَّ صحته، وهؤلاء يظنون أنَّ كلَّ حديثٍ رواه ثقة فهو صحيحٌ، ولا يتفطنون لدقائق علم علل الحديث، ووافقهم طائفة من المحدثين المتأخرين كالطحاوي والحاكم والبيهقي» ثم قال - بعد ذكره مسالك توجيه الحديث عند المُصححين، وذكره ألفاظ الروايات عن أبي إسحاق: «وهذا كله يدل على أنَّ أبا إسحاق اضطرب في هذا الحديث ولم يُقِم لفظه كما ينبغي، بل ساقه بسياقات مختلفة متهافتة .. » (3).

وقال ابنُ القيم: «قال ابن مفوّز (4): حديثُ أبي إسحاق من رواية الثوريِّ وغيره ِفأجمعَ من تقدم من المحدثين ومن تأخر منهم أنه خطأ منذ زمان أبي إسحاق إلى اليوم، وعلى ذلك تَلقّوه منه وحملوه عنه، وهو أولُ حديثٍ أو ثانٍ مما ذكره مسلم في كتاب التمييز له، مما حمل من الحديث على الخطأ، وذلكَ أنَّ عبد الرحمن بن يزيد وإبراهيم النخعيّ - وأين يقع أبو إسحاق من أحدهما؟ فكيف باجتماعهما على مخالفته - رويا الحديث بعينه عن الأسود بن يزيد عن عائشة: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا كان جُنُباً فأراد أن ينام توضأ وضوءه للصلاة، فحكم الأئمة برواية هذين الفقيهين الجليلين عن الأسود على رواية أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة: أنَّه كان ينام ولا يمس ماء، ثم عضدوا ذلك برواية عروة وأبي سلمة بن عبد الرحمن وعبد الله بن أبي قيس عن عائشة، وبفتوى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمر بذلك حين استفتاه، وبعض المتأخرين من الفقهاء الذين لا يعتبرون الأسانيد، ولا ينظرون الطرق يجمعون بينهما بالتأويل، فيقولون لا يمس ماء للغسل، ولا يصح هذا، وفقهاء المحدثين وحفاظهم على ما أعلمتك ... تَمّ كلامه. والصواب ما قاله أئمةُ الحديثِ الكبار مثل يزيد بن هارون ومسلم والترمذيّ وغيرهِم من أنَّ هذه اللفظة وَهْم وغلط، والله أعلم» (1).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير