تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وينبه هنا أنَّ بعض الباحثين ـ وفقهم الله ـ ينقل شواهد للحديث ومتابعات من كتب العلل مما استنكره الأئمة على الرواة، ولم يقف وقفةَ نَظَرٍ لماذا ذُكِرَ هذا الحديث أو الطريق في كتب العلل؟ ولربما كان هذا الحديث المذكور في كتب العلل يُعلُّ حديثه كأن يكون موقوفاً وحديثه مرفوعاً، ونحو ذلك؛ وهذا من القصور في هذا الفن.

وأستحسن هنا أن يذكر المعلم بعضَ الأحاديثِ التي اتفق كبار علماء الحديث على إعلالها - كحديث «من غسّل ميتاً فليغتسل» وحديث «المسح على الجوربين» وغيرهما - وَمَعَ ذلكَ صححها بعضُ المعاصرين (2)، فيبين هنا سبب الاختلاف في الحُكْم، والفَرْق منهجياً وعلمياً بين نظر المضعفين ونظر المُصَحّحِين، مبيناً أنَّ للفقهاء منهجاً يخالف منهج المحدّثين في هذا الباب قال ابنُ دقيق العيد: «كثير من العلل التي يعلل بها المحدِّثون الحديث لا تجري على أصول الفقهاء» (3)، وقال أيضاً: «والذي تقتضيه قواعدُ الأصوليين والفقهاء أنَّ العمدة في تصحيح الحديث على عدالة الراوي وجزمه بالرواية، ونظرهم يميل إلى اعتبار التجويز الذي يمكن معه صدق الراوي وعدم غلطه؛ فمتى حصل ذلك، وجاز ألا يكون غلطاً، وأمكن الجمع بين روايته ورواية من خالفه بوجه من الوجوه الجائزة لم يترك حديثه. وأمَّا أهلُ الحديث فإنهم قد يروون الحديثَ من رواية الثقات العدول، ثم تقومُ لهم عللٌ فيه تمنعهم من الحكم بصحته، كمخالفة جمع كثير له، أو من هو أحفظ منه، أو قيام قرينة تؤثر في أنفسهم غلبة الظن بغلطه، ولم يجر ذلك على قانون واحد يستعمل في جميع الأحاديث، ولهذا أقولُ: إنَّ مَنْ حكى عن أهل الحديث - أو أكثرهم - أنّه إذا تعارض رواية مُرْسِل ومُسْندٍ أو واقفٍ ورافعٍ أو ناقصٍ وزائدٍ أنَّ الحُكْم للزائد فلم نجد هذا في الإطلاق، فإن ذلك ليس قانوناً مطرداً، وبمراجعة أحكامهم الجزئية يعرف صواب ما نقول، وأقربُ الناس إلى اطراد هذه القواعد بعض أهل الظاهر» (4)، وقال أبو يعلى: «واُلمحَدِّثون يضعفون بما لا يوجب تضعيفه عند الفقهاء، كالإرسال، والتدليس، والتفرد بزيادة في الحديث لم يروها الجماعة» (5).

النقطة الثالثة: كيف يعالج القصور في هذا العلم؟

من طرق علاج القصور في هذا الفن ـ في رأيي ـ طريقان:

أ - كثرة القراءة في كتب العلل النظرية والتطبيقية - كعلل الترمذي الكبير، وعلل ابن أبي حاتم، وعلل الدارقطني وكتابه: التتبع، وعلل ابن عمّار الشهيد، ومبحث «الحديث المعلول» في كتب علوم الحديث - فإنْ غلب على قراءتها فلا يغلب على كتابين: الأوَّل: التمييز للإمام مسلم بن الحجاج، والثاني: كتاب «شرح علل الترمذي» لابن رجب، وأرى أنَّ الكتابين ـ من أولهما إلى آخرهما ـ من أحسن ما يقرر على طلاب الحديث لفهم العلل ومعرفة طريقة النقاد فيها.

ب - تتبّع أقوال كبار نقاد الحديث على الحديث المراد بحثه، والاستفادة من كل كلمة يقولونها عن الحديث؛ لأنَّ تعاليل الأئمة للأخبار مبنيةٌ في الغالب على الاختصار، والإجمال، والإشارة، فيقولون مثلاً: «الصواب رواية فلان»، أو «وَهِمَ فلان» أو «حديث فلان يشبه حديث فلان» أو «دَخَلَ حديثٌ في حديث» ولا يذكرون الأدلة والأسباب التي دعتهم إلى ذلك القول؛ لأنّ كلامهم في الغالب موجه إلى أناسٍ يفهمون الصناعة الحديثية والعلل، فيدركون المراد بمجرد إشارة الإمام للعلة وذكرها - ومِنْ ثمّ دراسة أسباب هذا الحُكْم من الناقد، ومدى موافقة بقية النقاد له، ومع كثرة الممارسة لكلام النقاد تتكون عند الباحث مَلَكة تؤدي - بتوفيق من الله وإعانة - إلى موافقتهم قبل أنْ يطَّلعَ على كلامهم المعين في الحديث المراد بحثه، وتفيده في دراسة الأحاديث التي لم يتكلموا عليها.

النقطة الرابعة: حول المنهجية لدراسة هذا العلم:

ضرورة اتباع منهجٍ منضبطٍ عند دراسةِ الحديثِ المُعَلّ، فيبدأ أوّلاً بجمع طرقِ الحديث، والنظر فيها مجتمعةً، ومعرفة مراتب رواتها بتحديد مدار الحديث، ثم بيان حال المدار من حيثُ القوة والضعف، ثم يذكر الرواة عَن المدار ويبين اختلافهم واتفاقهم عليه، ثم يوازن بين الروايات ويبين الراجح وأسباب الترجيح.

ولا بدّ في هذه النقطة من مراعاة ما يلي:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير