وأبو أمامة إن صح ذلك عنه، فقد خالفه غيره بلا شك، والنهي ظاهر في التحريم، والأصل عدم الإضمار، وفي تتمة الخبر وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقها، وهذا السياق يقتضي النهي، وقد خالف ابن عبد البر مالكا في هذه المسألة، والله أعلم. ولأن في ذلك ودا ولطفا، وقد أمر الله بمجاهدتهم، والغلظة عليهم، وكذلك نهى الله تعالى عن موالاتهم، ومودتهم ..
.. فأما إن خاف من ذلك على نفس أو مال، فإنه يجوز، أو يستحب، أو يجب نظرا إلى ارتكاب أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما، فأما الحاجة إليه يسهل تركها بلا مشقة مثل كثير من حوائج الدنيا المعتادة فهذا والله أعلم الذي أراد أحمد في رواية أبي داود [وسئل عمن يبتدئ الذمي بالسلام إذا كانت حاجته إليه؟ قال: لا يعجبني]، وكلامه فيه متردد بين التحريم، والكراهة.
وظاهر كلام الأصحاب: التحريم.
والمسألة فيه محتملة.
فأما الحاجة بالمعنى الأول، فتبعد إرادته، كما يبعد المنع منه، والله تعالى أعلم.
وأشار لبعضه في الإنصاف 10/ 452 [ط: التركي]
قال ابن حجر في الفتح 11/ 39: وقالت: طائفة يجوز ابتداؤهم بالسلام، فأخرج الطبري من طريق بن عيينة قال: يجوز ابتداء الكافر بالسلام لقوله تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين) وقول إبراهيم لأبيه (سلام عليك)
وأخرج بن أبي شيبة من طريق عون بن عبد الله عن محمد بن كعب أنه سأل عمر بن عبد العزيز عن ابتداء أهل الذمة بالسلام؟
فقال: نرد عليهم، ولا نبدؤهم. قال عون: فقلت له: فكيف تقول أنت؟
قال: ما أرى بأسا أن نبدأهم. قلت: لم؟ قال: لقوله تعالى (فاصفح عنهم وقل سلام) وقال البيهقي: ـ بعد أن ساق حديث أبي أمامة أنه" كان يسلم على كل من لقيه فسئل عن ذلك؟ فقال: إن الله جعل السلام تحية لأمتنا وأمانا لأهل ذمتنا" ـ هذا رأي أبي أمامة، وحديث أبي هريرة في النهي عن ابتدائهم أولى.
وأجاب عياض عن الآية، وكذا عن قول إبراهيم عليه السلام لأبيه: بأن القصد بذلك المتاركة، والمباعدة، وليس القصد فيهما التحية، وقد صرح بعض السلف بأن قوله تعالى (وقل سلام فسوف يعلمون) نسخت بآية القتال ..
وفي 11/ 40: وقال ابن وهب: يجوز ابتداء السلام على كل أحد ولو كان كافرا!
واحتج بقوله تعالى (وقولوا للناس حسنا) وتعقب بأن الدليل أعم من الدعوى ..
وفي 11/ 41:
واقتصر البخاري على القدر الذي ذكره لحاجته إليه هنا [جزء من قصة كعب بن مالك] وفيه ما ترجم به من ترك السلام تأديبا، وترك الرد أيضا، وهو مما يخص به عموم الأمر بإفشاء السلام عند الجمهور.
وعكس ذلك أبو أمامة فأخرج الطبري بسند جيد عنه أنه" كان لا يمر بمسلم ولا نصراني ولا صغير ولا كبير إلا سلم عليه". فقيل له: فقال: إنا أمرنا بإفشاء السلام.
وكأنه لم يطلع على دليل الخصوص،.
واستثنى بن مسعود ما إذا احتاج لذلك المسلم لضرورة دينية، أو دنيوية؛ كقضاء حق المرافقة، فأخرج الطبري بسند صحيح عن علقمة قال: كنت ردفا لابن مسعود فصحبنا دهقان، فلما انشعبت له الطريق أخذ فيها فأتبعه عبد الله بصره، فقال: السلام عليكم، فقلت ألست تكره أن يبدؤا بالسلام؟ قال: نعم، ولكن حق الصحبة". وبه قال الطبري، وحمل عليه سلام النبي صلى الله عليه وسلم على أهل مجلس فيه أخلاط من المسلمين والكفار، وقد تقدم الجواب عنه في الباب الذي قبله.
وفي التمهيد 17/ 91: وأما ابتداء أهل الذمة بالسلام فقد اختلف فيه السلف، ومن بعدهم .. [وفيه بعض ما هنا نقل هنا، وغيره.]
وينظر للزيادة: الأذكار للنووي ص 365، والفتوحات الربانية لابن علان 5/ 337 ففيه بحث، وغيرها من كتب الشروح لهذا الحديث، وكتب الفقه في باب أحكام أهل الذمة.
والخلاصة: أن الجمهور على منع السلام مطلقا.
ومن خالف مما نقل هنا، فمنهم:
1 - من لم تبلغه السنة كما قيل في أبي أمامة.
2 - من رخص للحاجة، والضرورة.
3 - من تأول الحديث.
4 - من استدل بعمومات نصوص أخرى. وغير ذلك.
والله أعلم.
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&p=157935
مشاركة (17)