وإنما قلت أن ذلك للتسهيل لأن الناس اليوم يتعاملون بالجرامات لا بالصاعات فمثلا لو أن رجلا أسرته مكونة من أربعة أفراد يمكنه الآن بكل سهولة أن يذهب للبقال ويقول له: أعطني 10 كيلو أرز أو تمر أو لوبيا أو ….أو ….أي صنف من الأصناف التي تصح في زكاة الفطر. ثم هو بعد ذلك يخرجها على الفقراء كما يشاء، ويكون بذلك أخرج يقينا صاعا وأزيد من أي صنف ويكون أيضا متبعا لهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - موافقاً لجماهير العلماء سلفا وخلفا في عدم جواز أو إجزاء زكاة الفطر إلا طعاما. وإن كانت محاولة تقدير الصاع على وجه التقريب من كل صنف مهمة جدا في بقية أحكام الفقه كزكاة الزروع والثمار وأحكام الفدية في الحج، وغيرها كثير من الأحكام التي نحتاج فيها لمعرفة وزن الصاع النبوي على وجه التقريب.
س8 - ما هو مصرف زكاة الفطر؟
ج- تقدمت الإشارة إلى أن مصرف زكاة الفطر أخص وأضيق من مصرف الزكوات الأخرى لذا فمصرفها منحصر في الفقراء والمساكين فقط. ففي حديث ابن عباس السابق أنها: طُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ. لذا قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله: ليس لها إلا مصرف واحد وهم الفقراء. اهـ بنصه من مجموع فتاويه جـ 18.
س9 - هل يجوز إخراج قيمة زكاة الفطر بالمال بدلاً عن الطعام؟
ج- ذهب جماهير العلماء من السلف والخلف إلى عدم جواز أو إجزاء إخراج زكاة الفطر بالقيمة ولا يعرف ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن صحابته الكرام – رضوان الله عليهم – وهو مذهب الأئمة مالك والشافعي وأحمد - رحمهم الله. وذهب الإمام أبو حنيفة –رحمه الله – إلى جواز إخراجها بالقيمة، بل صرح المتأخرون من الحنفية بأنه أفضل! والذي يظهر بعد دراسة أدلة هذه المسألة هو رجحان مذهب الجماهير. والموضوع له مناقشات طويلة وأدلة متشعبة لا تحتملها هذه العجالة ولكن أنقل ما يكفي من كلام العلماء.
قال الإمام أبو القاسم الخِرَقي – رحمه الله – في مختصره في باب زكاة الفطر:
(ومن أعطى القيمة , لم تجزئه).
وشرح عليه الإمام أبو محمد ابن قدامة المقدسي بقوله في كتابه "المغني" جـ3:
قال أبو داود قيل لأحمد وأنا أسمع: أعطى دراهم – يعني في صدقة الفطر – قال: أخاف أن لا يجزئه خلاف سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم. وقال أبو طالب: قال لي أحمد: لا يعطي قيمته، قيل له: قوم يقولون , عمر بن عبد العزيز كان يأخذ بالقيمة؟! قال: يدعون قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ويقولون: قال فلان!!!، قال ابن عمر: فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وقال الله تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول} [النساء: 59]. وقال: قوم يردون السنن: قال فلان , قال فلان. وظاهر مذهبه أنه لا يجزئه إخراج القيمة في شيء من الزكوات وبه قال مالك والشافعي.
وقال الثوري وأبو حنيفة: يجوز وقد روى ذلك عن عمر بن عبد العزيز , والحسن
……. ولنا قول ابن عمر: (فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم- صدقة الفطر صاعا من تمر , وصاعا من شعير) فإذا عدل عن ذلك فقد ترك المفروض …… ولأن الزكاة وجبت لدفع حاجة الفقير وشكرا لنعمة المال , والحاجات متنوعة فينبغي أن يتنوع الواجب ليصل إلى الفقير من كل نوع ما تندفع به حاجته ويحصل شكر النعمة بالمواساة من جنس ما أنعم الله عليه به , ولأن مخرج القيمة قد عدل عن المنصوص فلم يجزئه كما لو أخرج الرديء مكان الجيد. اهـ النقل من كتاب "المغني" جـ 3 بعد الاختصار.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله جـ 18 من مجموع فتاويه:
أما إخراجها نقداً فلا يجزىء؛ لأنها فرضت من الطعام، قال ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير»، وقال أبو سعيد الخدري: «كنا نخرجها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام، وكان طعامنا التمر، والشعير، والزبيب، والأقط». فتبين من هذين الحديثين أنها لا تجزىء إلا من الطعام، وإخراجها طعاماً يظهرها ويبينها ويعرفها أهل البيت جميعاً، وفي ذلك إظهار لهذه الشعيرة، أما إخراجها نقداً فيجعلها خفية، وقد يحابي الإنسان نفسه إذا أخرجها نقداً فيقلل قيمتها، فاتباع الشرع هو الخير والبركة.
وقد يقول قائل: إن إخراج الطعام لا ينتفع به الفقير.
وجوابه: أن الفقير إذا كان فقيراً حقًّا لابد أن ينتفع بالطعام. اهـ
¥