وقال: ولأن مهمة زكاة المال أعم من مهمة زكاة الفطر ففيها النقدان والحيوان، أما زكاة الفطر فطعمة للمسكين في يوم الفطر فلا تقاس عليها. اهـ بنصه من "تتمة أضواء البيان" 1/ 492.
ثم قال بعد بحثه لهذه المسألة:
وختاما إن القول بالقيمة فيه مخالفة للأصول من جهتين:
الجهة الأولى: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لما ذكر تلك الأصناف لم يذكر معها القيمة، ولو كانت جائزة لذكرها مع ما ذكر، كما ذكر العوض في زكاة الإبل، وهو - صلى الله عليه وسلم - أشفق وأرحم بالمسكين من كل إنسان.
الجهة الثانية: وهي القاعدة العامة أنه "لا ينتقل إلى البدل إلا عند فقد المبدل عنه" وأن "الفرع إذا كان يعود على الأصل بالبطلان فهو باطل".
وكذلك لو أن كل الناس أخذوا بإخراج القيمة لتعطل العمل بالأجناس المنصوصة فكأن الفرع - الذي هو القيمة - سيعود على الأصل - الذي هو الطعام -بالإبطال فيبطل.
ويمكن أن يقال لهم أيضا: إن زكاة الفطر فيها جانب تعبد؛ طهرة للصائم وطعمة للمساكين، كما أن عملية شرائها ومكيلتها وتقديمها فيه إشعار بهذه العبادة. أما تقديمها نقدا فلا يكون فيها فرق عن أي صدقة من الصدقات من حيث الإحساس بالواجب والشعور بالإطعام. اهـ بتصرف يسير من كتاب "تتمة أضواء البيان" 1/ 493 وما بعدها.
يقول د. عبد الحميد هنداوي المدرس بكلية دار العلوم:
وراعني مع ذلك ما اعتدنا أن نطالعه كل عام في الصحف والجرائد على عمومها وكثرتها وما نسمعه من فتاوي العلماء والمشايخ في الإذاعة وغيرها وما ترتفع به أبواق المساجد في أواخر رمضان كل عام تبعا لتقدير المفتي وغيره من العلماء متابعين في ذلك لمذهب الأحناف المخالف للجمهور بلا دليل صحيح كما بين الجمهور فيجددون للناس كل عام قيمة الزكاة عن كل فرد فيقولون مثلا: إن زكاة الفطر في هذا العام هي جنيهان عن كل فرد أو أكثر أو أقل، ثم لا يشيرون مع ذلك إلى أن الواجب هو إخراجها بالطعام وأن هذا التقدير بالقيمة هو لمن لم يتيسر له إخراجها بالطعام مثلا فيميتون السنة إماتة عن علم وعلى مرأى ومسمع ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وقد كادت هذه السنة أن تموت أو تغيب عن واقع المسلمين لولا أن الله يهدي من يشاء من عباده لإحياء سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ودعوة الناس للتمسك بهاو إحيائها.
وقد سرني كثيرا أن أرى هذه السنة تعود في السنين الأخيرة عند أغلب جيل الصحوة من العاملين بالكتاب والسنة إلا أن هذه السنة لم تزل غريبة على كثير من عامة المسلمين إن لم تكن غريبة على عامتهم وسوادهم الأعظم. اهـ بنصه من كتاب "الجامع لأحكام زكاة الفطر" صـ16.
وقال صـ 64:
أما من يحتج بأن دفع المال أنفع للفقير فيجاب عليه: بأن الله الذي أوجبها كذلك هو أعلم بما ينفع الفقير منا، وهو كذلك أعلم بالحكمة من فرضها طعاما ولا يلزم أن يعلم العبد الحكمة مما أمره الله به، بل الواجب عليه هو مجرد الاتباع وأن يقول: سمعنا و أطعنا.
كذلك فإن مالك المال الحقيقي هو الله -سبحانه وتعالى- ونحن مستخلفون فيه فالأغنياء وكلاء الله - تعالى - في ماله والوكيل لايجوز أن يخالف ما يأمر به موكله فإذا كنت وكيلا لغني في ماله فقال لك: أعط الفقير من الطعام، فأعطيته من المال لكنت مستحقا للومه وعتابه. كذلك فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد وردت عنه أحاديث كثيرة في فرض زكاة الفطر من الطعام، ولو كان يجوز إخراجها بالقيمة لبينه النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه قد تدعو الحاجة إليه فلما لم يبينه النبي - صلى الله عليه وسلم - و لا صح عن أحد من الصحابة أنه أخرجها مالا بل لم يرد بذلك حديث واحد فمن كان عالما بالحكم وليس له تأويل سائغ أو ضرورة تسوغ له مخالفة السنة فزكاته مردودة عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحْدَثَ فِى أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ». والحق أنه ليس هناك ما يسوغ مخالفة السنة الواردة في ذلك والمفروضة بنص كلام النبي صلى الله عليه وسلم. اهـ كلامه بنصه من الكتاب المذكور آنفا.
قلت (عيد): الذي يفهم حكمة زكاة الفطر المذكورة في الحديث ويدقق في فقهها وكيف أنها مفروضة على جميع المسلمين صغيرهم وكبيرهم، غنيهم وفقيرهم بالشرط المتقدم، يعي تماما أنه لا حاجة بنا إلى إخراجها بالقيمة لأنها أموال زهيدة جدا لا تنفع الفقير يوم العيد شيئا، بل إن أطفالنا يوم العيد قد يجمعون عيدية تكون أضاعفا مضاعفة على مقدار زكاة الفطر التي على الأسرة كلها، ثم هي لا تصلح إلا للعب والحلوى!!! فما بالك بالفقير، هل إذا أعطيته زكاة الفطر عن أسرتك بالمال تنفعه في شيء؟ هل تمكنه من شراء ملابس لأبنائه مثلا؟ الإجابة: لا، لذا فمن يقول: نخرجها مالا ليشتري بها الفقير حاجات العيد لم يفقه المسألة وإلا فماذا يفعل الفقير بـ 20 جنيه أو 30 جنيه. فزكاة الفطر لها وظيفة غير وظيفة زكاة المال، ولكن للأسف لما منع الناس زكاة أموالهم رأوا أن إخراج زكاة الفطر بالمال فيه تعويض للفقير عن هذا الخلل الكبير الذي يعيش فيه المسلمون طوال العام.
ثم بعد كل ذلك فباب الصدقة مفتوح وواسع أمام من أراد أن يعطي الفقير مالا أو ملبسا أو غيرهما يوم العيد، أما الزكاة المفروضة فلا يجوز فيها تخطي الشرع.
¥