وتقول: عدم ترجمة أحد من الأدارسة في ترتيب المدارك له مدلول يمكن أن تستنتجه أنت. وتقول في رقم 10: طلبت منك طلبا واحدا وهو اذكر لي أول إدريسي ترجم على أنه من المالكية في المغرب؟ وألح عليك في الإجابة.
قلت: كلامك هذا يدل على أنك فهمت من كلامي السابق في المشاركة 9 أو غيرها: أني أرى أن الأدارسة كانوا على مذهب الإمام مالك – رحمه الله -.
وهذا خطأ منك بيّن، لأن كلامي السابق وقع جوابا عن سؤالك، وقد ذكرت لك فيه آراء العلماء والباحثين فيما سألت عنه، ولم أنصر قولا معينا.
ولذلك فلا معنى لأن تلح علي في ذكر أول إدريسي ترجم على أنه من المالكية.
وعدم ترجمة القاضي عياض أو غيره لأحد من الأدارسة، ليس دليلا على أنهم لم يكونوا مالكية، أو لم ينصروا المذهب المالكي في دولتهم، بل هو محتمل للأمرين، وكلامي السابق إنما جاء اعتراضا على جعل عدم ذكر أحد منهم في كتب طبقات المالكية دليلا على أنهم لم يكونوا مالكية ... فقط وليس لإثبات أنهم مالكية.
ومما يلحق بهذا هنا؛ قولك في المشاركة 20: وأعترض على الشيخ الذي ذكر أن القاضي عياض يترجم للعلماء ولا يترجم للملوك فألغى بكلمته هذه وجود علماء في الأدارسة لمدة أربعة قرون كاملة تقريبا وهذا كلام لا يوافق عليه ألبتة فإن أهل البيت من الأدارسة وغيرهم كثر فيهم العلماء وقد ذكر ابن حزم في جمهرته طائفة كبيرة جدا من علماء أهل البت ونقل عنه ابن الوزير في كتابه العواصم.
قلت: وثق كلامك – بارك الله فيك – واذكر لنا من الكثير عشرة من الأدارسة ممن عرفوا بالعلم على وجهه حتى يذكروا في تراجم العلماء، وليس الأمراء، فالعواصم قريب، والجمهرة أقرب، وكلامي الذي تعترض عليه، وفهمت منه – خطأ - ما فهمت، ليس مسوقا لهذا أصلا، وإنما هو لنفي وجود علماء منهم في المذهب المالكي، حسب ما يفهم من عدم وجود ترجمة لأحدهم في كتب طبقات علماء المالكية، وهذا لا يعني أنهم لم يكن منهم علماء في غير المذهب المالكي.
وقولك: ألححت علي في مسألة تصريح أبي الحسن الأشعري بأن الأدراسة في المغرب شيعة زيدية وقد أجبتك بنص الأشعري من كتاب مقالات الإسلاميين ولم ينفرد الأشعري بذلك فكون الأدارسة كانوا شيعة زيدية أمر معروف ومشهور.
قلت: إنما ألححت عليك – حسب فهمك – لأني أعلم أن في هذه المسألة خلافا شديدا، في القديم والحديث، مما دعا بعض الباحثين أن يقول عن دراسة أعدها في هذا الشأن أنها جاءت: ( .. لتكشف الكثير من الغموض، وتضع نهاية (المؤامرة الصمت) حول تاريخ الأدارسة ... ). [الأدارسة حقائق جديدة] محمود إسماعيل، مكتبة مدبولي.
ويقول الدكتور الطالبي: (ولم يحرر بعد تأريخ قيام المملكة الإدريسية المتشبع بالغموض ... ) الدولة الأغلبية 395.
فمن الغريب أن تأتي هنا وتقول: فكون الأدارسة كانوا شيعة زيدية أمر معروف ومشهور.
فكيف يكون مشهورا معروفا، وفيه هذا الغموض والاختلاف الذي ذكرت لك كلام بعضهم فيه، وما لم أذكره أكثر. نعم هو مشهور في كتب الزيدية اليمنية، وهؤلاء لهم مصلحة في إشهاره لا تخفى على مثلك.
وكلام الأشعري ليس نصا حاسما في المسألة، لاحتمال أن يكون المراد بالتشيع تشيع العبيديين الذين كانوا يسيطرون على أغلب الشمال الأفريقي في وقته، وقد ألف كتابه مع بداية سقوط دولة الأدارسة على يدي العبيديين أوائل القرن الرابع، في عهد يحي بن إدريس.
والشهرستاني كان أكثر دقة عندما أشار إلى علاقة الزيدية بالاعتزال وتبنيهم لمذهب واصل جملة .. قال: ( ... وبالمغرب الآن منهم شرذمة قليلة في بلد إدريس بن عبد الله الحسني الذي خرج بالمغرب في أيام أبي جعفر المنصور) وفي الخطأ التوقيتي هنا عند الشهرستاني ما ينبهك على أن بعد الدار بالنسبة له وللأشعري كان له دور مهم في ضعف معلوماتهم عن المغرب وما يحصل فيه.
والأمر لا يحتمل أكثر من ذلك الآن، ولعل بعض إخواننا من المغرب ممن يقف على كلامنا – معا – هنا أن يصحح لنا ما يراه من خطأ، وأن يفيدنا بآخر ما استجد فيه.
وقولك: كلام الشيخ أبي زهرة عن ميول الإمام مالك أجبتك عنه وعزوته لمصدره ولك أن تناقش أبا زهرة.
قلت: هذا الكلام أصبح من منحولاتك الآن، وأنت الذي استدعاه من كتاب أبي زهرة، وقد سقتَه في مقام الاشتباه، وليس مقام المدح، مع ضميمة أخرى، فكان حقك أن توضحه، وهذا كان أحد الأسئلة الموجهة إليك، أما أبو زهرة والخولي – رحمهما الله – فقد مضيا إلى رب كريم، وما فهمتُ من كلامهما تهمة في حق الإمام بعكس كلامك، بل كانا حريصين على دفع توهم ذلك عن الإمام، فأنا ألح عليك أن توضح لنا ماذا يعني: ميول أموية + عبارة فيها تعريض بسيدنا علي – رضي الله عنه -.
وقولك: استشكلت وجود قواعد للمالكية في رد الحديث الصحيح وقد ذكرت لك عشرة مسائل كأمثلة.
قلت: الاستشكال في عدم الدقة في حكاية تلك القواعد، وليس في وجود بعضها.
وقولك: استشكلتَ رد المالكية لأحاديث صحيحة مع قولي أنه مذهب عظيم ولا زلت عند قولي فإن المذهب المالكي من المذاهب المعتمدة العامرة بالمجتهدين والمخرجين والمرجحين والمصنفات الكثيرة.
قلت: الإنكار والاعتراض على كلمة (عمدا) في كلامك، فهي أبدا لا توافق (مذهب عظيم).
وقولك: ووجود بعض أخطاء فيه لا يعني رده بالكلية ولكنه يبين أن الله لم يقصر الحق على مذهب واحد وأنه لايجب اتباع مذهب مالك كما يقول القاضي عياض في ترتيب المدارك.
قلت: لم يجر ذكر لقصر الحق على مذهب واحد في مباحثتنا، ولا على ما يجب إتباعه من المذاهب، إلا إن كنت تتحدث عن قوم آخرين، ومقام آخر.
ونعم؛ لا يجب إتباع مذهب مالك كما قال القاضي عياض، ولا إتباع مذهب الشافعي – رحمه الله – كما قال الإمام الجويني – رحمه الله – ولا إتباع أي مذهب آخر بعينه كما يقول غيرهما.
يتبع – إن شاء الله -.
¥