تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المتقدمين، وهذا هو المقصود من هذا البحث، وقد رأيتُ دراسةً لحديثٍ مُعل

كَتَبه أحدُ الباحثين وَقَع فيه بأوهام عجيبة وغَلّط الأئمة، وجره الإسنادُ من حيثُ لا

يشعر إلى أسانيد أخرى لا علاقة لها بالعلة ولا بالطريق فأعلها؛ لأنه لم يتبع المنهج

السليم في دراسته؛ فكانت النتيجة المتوقعة. وعدمُ اتباعِ المنهج السليم في دراسة

الحديث المُعل على طريقة الأئمة المتقدمين يُنْتج لنا مَنْ يقول لإمامِ العللِ في زمانهِ

علي بن المديني [23]: «ما هكذا تُعَل الأحاديث يا بنَ المديني»!!، كما قد وَقَع

مِنْ بعضِ المعاصرين هداهم اللهُ وفتح عليهم، والله المستعان وعليه التكلان.

تعريف العلة والحديث المُعل في الاصطلاح:

ترد كلمة عِلة ومُعَلّ، ومعلول في لسان الأئمة المتقدمين على معنيين:

المعنى الأوَّل: معنى عام ويراد به الأسباب التي تقدح في صحة الحديث

المانعة من العمل به. قال ابن الصلاح: «اعلم أنه قد يطلق اسم العلة على غير

ما ذكرناه من باقي الأسباب القادحة في الحديث المُخرِجة له من حال الصحة إلى

حال الضعف المانعة من العمل به على ما هو مقتضى لفظ العلة في الأصل؛ ولذلك

نجد في كتب علل الحديث الكثير من الجرح بالكذب، والغفلة، وسوء الحفظ،

ونحو ذلك من أنواع الجرح، وسمّى الترمذيُّ النسخَ علةً من علل الحديث» [24].

وما قاله ابن الصلاح ظاهر؛ ففي كتاب العلل لابن أبي حاتم، وكتاب العلل

للدارقطني أمثلةٌ كثيرةٌ تدلُّ على ما قال، وكذلك في تطبيقات الأئمة المتقدمين؛

فالعلة عندهم لها معنى واسع وشامل، بحيث تشمل ما قاله ابن الصلاح، والمعنى

الخاص الآتي الذكر وإن كان المعنى الخاص هو مراد من نبه على قلة من تكلم في

هذا الفن، وأنَّه علمٌ عزيزٌ وشريف، طُوي بساطه منذ أزمان.

المعنى الثاني: معنى خاص، ويشمل:

- الاختلاف في إسناد الحديث كرفعه ووقفه، ووصله وإرساله، وغير ذلك.

- الاختلاف في متن حديث كاختصار المتن، أو الإدراج فيه، أو روايته

بالمعنى وغير ذلك.

- العلة الغامضة في إسنادٍ ظاهرهُ الصحة حتى لو كان الإسناد فرداً، وهذه

العلةُ الغامضةُ لا يمكن أن يوضع لها ضابط محدد لأنّ لها صوراً كثيرةً ومتعددةً،

وفي بعضها دقة وغموض، لا يعلمها إلاّ حذاق هذا الفن؛ فمن ذلك مثلاً: ما قاله

يعقوب بن شيبة السدوسيّ: «كان سفيان بن عيينة ربما يحدث بالحديث عَنْ اثنين،

فيسند الكلام عَنْ أحدهما، فإذا حدّث به عَن الآخر على الانفراد أوقفه أو أرسله»

[25]، قال ابنُ رجب: «ومن هذا المعنى: أنّ ابن عيينة كان يروي عَنْ ليث،

و ابن أبي نجيح جميعاً عَنْ مجاهد عَنْ أبي معمر عَنْ علي حديث القيام للجنازة، قال

الحميديُّ: فكنا إذا وقفناه عليه لم يُدخل في الإسناد أبا معمر إلاَّ في حديث ليث

خاصة، يعني أنّ حديث ابن أبي نجيح كان يرويه مجاهد عَنْ علي منقطعاً» [26].

والاستعمال الثاني هو المراد في كلام كثير من المتأخرين، وهو الذي ذكروه

في كتب المصطلح، وهو مراد من تكلم عَنْ أهمية العلل ودقتها وقلة من برز فيها،

وقد أشار إليه الحاكم في معرفة علوم الحديث [27]، وعرّفه ابنُ الصلاح بقوله:

«هو الحديث الذي اطلع فيه على علةٍ تقدحُ في صحته مع أنّ ظاهره السلامة منها»

[28]، وعرّفه ابنُ حجر بقوله: «هو حديث ظاهره السلامة اطلع فيه بعد التفتيش

على قادح» [29].

وعليه يكون الحديث المُعل متفاوتاً من حيثُ الظهور والخفاء، والوضوح

والغموض، وقد يكون الكلام على الحديث المعل من حيثُ الصناعة الحديثية ولا

يلزم من ذلك القدح في صحته، والله أعلم.

تنبيه:

يجتهد بعضُ طلبة الحديث وفقهم الله لالتماس تعريفٍ دقيقٍ للحديثِ المُعل من

خلال كتاب علل ابن أبي حاتم فقط، وفي هذا عندي نظر: من جهة أنّ ابنَ أبي

حاتم مات عَن الكتاب وهو مسودة لم يبيض [30]، وقد أورد أحاديث استطراداً ليبين

أحكامها الفقهية (رقم 1100، 1213، 1217)، أو العقدية (2/ 209 رقم

2118).

وللخروجِ بمعنى دقيق لا بدَّ من استقراء:

1 - كتب العلل الخاصة، أو المتضمنة للعلل: كعلل ابن المديني،

و الترمذي، والدّارقُطنيّ، و ابن الشهيد مع علل ابن أبي حاتم، وكتاب التمييز

لمسلم بن الحجاج وغيرها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير