تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وممن نقل إجماع الصحابة على تكفير مانعي الزكاة: القاضي أبو يعلى صاحب (الأحكام السلطانية) قال (وأيضا فإنه إجماع الصحابة، وذلك أنهم نسبوا الكفر إلى مانع الزكاة وقاتلوه وحكموا عليه بالردة، ولم يفعلوا مثل ذلك بمن ظهر منه الكبائر ولو كان الجميع كفراً لسَوّوا بين الجميع) (مسائل الإيمان) للقاضي أبي يعلى صـ 330 ــ 332، ط دار العاصمة 1410هـ. وأبو بكر الجصاص الحنفي في كتابه (أحكام القرآن) في تفسير قوله تعالى (فلا وربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) الآية ــ النساء 65، قال (وفي هذه الآية دلالة على أن من رد شيئاً من أوامر الله تعالى أو أوامر رسوله صلى الله عليه وسلم فهو خارج من الإسلام، سواء ردّه من جهة الشك أو ترك القبول والامتناع من التسليم، وذلك يوجب صحة ماذهب إليه الصحابة في حكمهم بارتداد من امتنع عن أداء الزكاة وقتلهم وسبي ذراريهم، لأن الله تعالى حكم بأن من لم يُسلم للنبي صلى الله عليه وسلم وحكمه فليس من أهل الإيمان) أهـ. وقال ابن تيمية (وقد اتفق الصحابة والأئمة بعدهم على قتال مانعي الزكاة وإن كانوا يصلون الخمس ويصومون شهر رمضان، وهؤلاء لم يكن لهم شبهة سائغة فلهذا كانوا مرتدين، وهم يُقاتلون على منعها وإن أقروا بالوجوب كما أمر الله) (مجموع الفتاوي) 28/ 519.

وقال ابن تيمية أيضا (وإذا كان السلف قد سمّوا مانعي الزكاة مرتدين مع كونهم يصومون ويصلون ولم يكونوا يقاتلون جماعة المسلمين، فكيف بمن صار مع أعداء الله ورسوله قاتلا للمسلمين) (مجموع الفتاوي) 28/ 531.

وقال الشيخ عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب 1242هـ (وقال الشيخ ــ ابن تيمية ــ رحمه الله في آخر كلامه على كفر مانعي الزكاة: والصحابة لم يقولوا هل أنت مُقر بوجوبها أو جاحد لها، هذا لم يُعهد عن الصحابة بحال، بل قال الصدّيق لعمر رضي الله عنهما: «والله لو منعوني عَنَاقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها» فجعل المبيح للقتال مجرد المنع لاجحد وجوبها، وقد روي أن طوائف منهم كانوا يقرون بالوجوب لكن بخلوا بها، ومع هذا فسيرة الخلفاء فيهم سيرة واحدة وهى قتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم والشهادة على قتلاهم بالنار، وسمّوهم جميعهم أهل الردّة) (الدرر السنية في الأجوبة النجدية، جـ 8 صـ 131).

وقد أطلت في بيان اتفاق الصحابة على كفر مانعي الزكاة ورِدّتهم، إذ إن المشهور لدى المتأخرين هو قول أبي سليمان الخطابي في كتابه (معالم السنن) إن تسمية مانعي الزكاة مرتدون هو من باب المجاز والتغليب وأنهم بغاة ليسوا مرتدين لأنهم لم يجحدوا وجوب الزكاة، ووجد المتأخرون أن هذا الكلام جار ٍ على أصول المرجئة في اشتراط الجحد للتكفير فتلقّفوه ونقلوه في كتبهم ولهذا لم يعرف كثير من المعاصرين غير هذا القول، فنقله النووي في شرح مسلم، وقال ابن حجر في شرح حديث أبي هريرة السابق (وإنما أطلق الكفر في أول القصة ليشمل الصنفين: فهو في حق من جحد حقيقة، وفي حق الآخرين مجاز تغليبا) (فتح الباري) 12/ 277.

وذهب فريق إلى أن الصحابة كفروهم لأنهم جحدوا الزكاة (نقله ابن حجر عن القاضي عياض في الفتح، 12/ 276)، ولم يثبت عن الصحابة أنهم تكلموا في مسألة الجحد أو الإقرار بالوجوب في حق مانعي الزكاة وتعليق الحكم عليهم بذلك. فهذه كما قال ابن تيمية: فروع فاسدة لم تنقل عن الصحابة. فتأمل هذا تعرف مخالفة كثير من المتأخرين لما كان عليه السلف، كما قال ابن تيمية (وإذا ذكروا نزاع المتأخرين لم يكن بمجرد ذلك أن يجعل هذه من مسائل الاجتهاد التي يكون كل قول من تلك الأقوال سائغاً لم يخالف إجماعا، لأن كثيراً من أصول المتأخرين مُحدَث مُبتدع في الإسلام مسبوق بإجماع السلف على خلافه، والنزاع الحادث بعد إجماع السلف خطأ قطعا) (مجموع الفتاوى) 13/ 26، وبهذا تعلم أن اختلاف المتأخرين في تكفير مانع الزكاة ــ بعد إجماع الصحابة عليه ــ لااعتبار له، وهو كاختلاف المتأخرين في تكفير تارك الصلاة بعد إجماع الصحابة على تكفيره.

وقد ذهب بعض العلماء إلى أن عمر لم يوافق أبابكر في تكفير مانعي الزكاة بدليل أنه رَدّ السَّبْي إليهم في خلافته (ذكره ابن حجر في الفتح، 12/ 280)، وهذا خطأ، فإن رَدّ السبي لايدل على مخالفة عمر لأبي بكر في تكفير مانعي الزكاة، بدليل أنه رَدّ سبي غيرهم من المرتدين كقوم مسيلمة الكذاب وطليحة الأسدي، فهل خالف عمر في كُفْر هؤلاء؟، بل الصواب في هذا ماذكره ابن تيمية في (منهاج السنة) أن عمر ردّ السبي لسائر المرتدين من العرب بسبب توبتهم ورجوعهم إلى الإسلام. قال ابن تيمية (وأهل الردة كان قد اتفق أبو بكر وعمر وسائر الصحابة على أنهم لايُمَكَّنون من ركوب الخيل ولا حمل السلاح، بل يُتركون يتبعون أذناب البقر، حتى يُري الله خليفة رسوله والمؤمنين حُسن إسلامهم. فلما تبيّن لعمر حُسن إسلامهم ردّ ذلك إليهم، لأنه جائز) (منهاج السنة) 6/ 349 تحقيق د. رشاد سالم.

ونقل ابن جرير الطبري رحمه الله أن عمر ردّ السبي في خلافته لتعظيم أمر العرب، فقال (فلما وَليَ عمر رحمه الله قال: إنه ليقبح بالعرب أن يملك بعضهم بعضاً، وقد وسَّع الله وفتح الأعاجم. واستشار في فداء سبايا العرب في الجاهلية والإسلام إلا امرأة ولدت لسيدها، وجعل فِداء كل إنسان سبعة أبعرة وستة أبعرة، إلا حَنِيفة كِنْدة فإنه خفّف عنهم لقتل رجالهم، ومَنْ لايقدر على فِداء لقيامهم وأهل دَبَا، فتتبعت رجالُهم نساءَهم بكل مكان) (تاريخ الطبري) 2/ 304 ــ 305، ط دار الكتب العلمية 1408هـ، وكما ترى فقد ردّ عمر جميع السبي للمرتدين التائبين وحتى سَبْي الجاهلية بين العرب قبل الإسلام. فلا دلالة في هذا على أنه خالف أبابكر في تكفير مانعي الزكاة، بل قد ذكر ابن تيمية أنهم لم يَسْبوا امرأة لمانعي الزكاة وإنما سَبَوا غيرهم من المرتدين. (منهاج السنة) 6/ 348 ــ 349.}}.

والله أعلم, والحمد لله رب العالمين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير