فالإيمان بما جاء به النبي صلى الله عليه و سلم عند أهل السنة و الجماعة يتضمن الإقرار بالوجوب و الخضوع و الإنقياد و الإستسلام فمتى ما عدم أحدهما عدم الإيمان بالكلية و يدخل في هذا الإيمان الصلاة و الزكاة و لا شك فانظر كيف أن هذه الأدلة كلها تدل على معنى واحد لأنها خرجت من مشكاة واحدة قال تعالى {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً} النساء82.
و كذلك تدبر في حديث ابن عمر و حديث أبي هريرة و أن هناك للإسلام حقوق أخرى غير الصلاة و الزكاة إذا لم يفعلها المسلم لم يعصم دمه و ماله و معلوم أن فعل المحرمات او ترك الأوامر المجرد عن الإمتناع يعصم به الدم و المال مع أنها من حقوق الإسلام و هذا باتفاق أهل السنة و الجماعة فلم يبق مما لا يعصم به الدم المال من حقوق الإسلام إلامتناع عن الفعل مع الإقرار بهذا الحق أو جحد هذا الحق و مثله لا يجهله.
و حديث آخر كذلك حتى تتضح المسألة أكثر أخرج البخاري و مسلم و غيرهما عن عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك للجماعة "
و المراد بالمارق من الدين المرتد كما جاءت في روايات أخرى المفارق لدينه و في عن صحابة أخر المرتد عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن عثمان بن عفان أشرف عليهم فسمعهم وهم يذكرون القتل فقال إنهم ليتواعدوني بالقتل فلم يقتلوني وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يحل دم امرئ مسلم إلا في إحدى ثلاث رجل زنى وهو محصن فرجم أو رجل قتل نفسا بغير نفس أو رجل ارتد بعد إسلامه فوالله ما زنيت في جاهلية ولا في إسلام ولا قتلت نفسا مسلمة ولا ارتددت منذ أسلمت).
و معلوم أن الزاني لا يحل ماله بإجماع أهل العلم و كذلك القتال للنفس عمدا و لا يحل المال و الدم إلا الردة و و أحاديث عصمة الدم و المال نصت على أن من لم يؤد حقوق الإسلام حل دمه و ماله و مثل هذا لا يكون إلا مرتد.
ثم إن هنا مسألة أخرى و هي الفرق بين الممتنع و بين المقدور عليه من أهل الردة فالمقدور عليه من المرتدين اختلف أهل العلم في ماله فقال بعضهم بأن ماله لأهله و قال بعضهم أنه يكون في بيت مال المسلمين و إن كان عده بعض أهل العلم خلافا شاذا و أن مال الكافر لا يكون إلا لبيت مال المسلمين لما صح عند البخاري و مسلم و غيرهما عن عن أسامة بن زيد، أنه قال زمن الفتح: يا رسول الله، أين تنزل غدا؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: " وهل ترك لنا عقيل من منزل " ثم قال: " لا يرث المؤمن الكافر، ولا يرث الكافر المؤمن ".
و أما الممتنع فقد اتفق الصحابة رضوان الله عليهم على حل مال الممتنعين عن الصلاة و الزكاة.
الخامسة: الحديث يدل على أن أبا بكر لم يكن ليقاتلهم لو أنهم أتوا الزكاة حتى لو لم يعطوها أبا بكر رضي الله عنه و لكنهم لما امتنعوا عن إخراجها كما كانوا يخرجونها للنبي صلى الله عليه ارتدوا بذلك عن الإسلام فوجب قتالهم.
فمن أخرج الزكاة و لم يعطها للإمام لا يسمى ممتنعا عن إخراج الزكاة و إنما يسمى ممتنعا عن إخراجها للإمام و مثل هذا لا يجوز قتاله بإجماع أهل السنة و الجماعة و لا يحل بهذا دمه و ماله بإجماع أهل السنة و الجماعة.
و لول قوتل لا يقاتل قتال الممتنع عن الزكاة كما هو الحال في زمن أبي بكر رضي الله عنه و إنما يقاتل قتال المفتات على الإمام و الفرق بينهما واضح لا يحتاج إلى كثير تدبر.
ـ[أبو حسين]ــــــــ[17 - 03 - 05, 06:02 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: وكذلك قد قيل في مانعي الزكاة أنهم على ضربين منهم من حكم بكفره وهم من آمن بمسيلمة وطليحة والعنسى ومنهم من لم يحكم بكفره وهم من لم يؤمنوا بهم لكن منعوا الزكاة وتأولوا أنها كانت واجبة عليهم لأن النبي كان يصلي عليهم وكانت صلاته سكنا لهم قالوا وليس صلاة ابن أبي قحافة سكنا لنا فلم يحكم بكفرهم لأنه لم يكن قد انتشرت أحكام الإسلام ولو منعها مانع في وقتنا حكم بكفره ومن خطه أيضا من تعاليقه. بدائع الفوائد
¥