فهل يعتد بخلاف عطاء أم لا .. ؟!
فالاعتداد والاعتبار للقول إنما يكون بدليل ذلك القول وليس بشخصه ولا باسمه ..
وهذا يتفق عليه العقلاء من أمة الإسلام ..
ومن يزعم أنه لا يعتد بخلاف عطاء ..
قلنا له ..
أبن برهانك أن قوله ليس بمعتبر ..
وإن قيل ..
لقد نقل ابن جريج أنه رأي محض منه ..
وقد خالف كل من كان في طبقته ..
فنقول ..
ذلك ظن ابن جريج ولم يصرح عطاء بأن رأيه مجرد رأي محض ..
وإذا كانت مخالفة أهل العصر تعتبر شذوذاً وترد ولا يعتد بها ..
فكذلك خالف أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد من في طبقتهم ..
كذلك قال بعض هؤلاء الكبار برأي محض وقال بعضهم برأي وتأويل ..
ولا فرق بين هؤلاء وعطاء البتة ..
ثم إن القول بذلك يحمل بين جنباته بليتين ..
فالبلية الأولى ..
أن عطاء رد إجماع الأمة في مسألة ما ..
مع علمه بذلك الإجماع لمجرد رأي محض .. !
ولا شك أن من يظن ذلك بعطاء لم يفقه تعظيم هؤلاء الكبار للنصوص الشرعية ..
فكيف يعقل أن يرد هذا الإمام الجليل إجماعاً متيقناً ..
والبلية الثانية ..
إن قلت لم يعلم عطاء هذا الإجماع ..
فتلك مشقة تتكلفها ..
إذ أنكرت رده للإجماع برأي محض كما قال ابن جريج ..
وأنت الآن بتكلف وتدعي أنه لم يعلم هذا الإجماع أو يعلم وكلاهما مجرد رأي محض لا دليل عليه لديك ولا لدى ابن جريج ولا فرق ..
فالذي دفعت به قول عطاء هو أنه مجرد رأي محض لتثبت الإجماع ..
وأنت الآن قد تقع فيما استنكرته منه دون أن تشعر وينتج عن ذلك إبطال صحة هذا الإجماع ..
فإذا دفعت كل هذا الاعتراضات سنستطيع أن نتحرك خطوة جديدة في تحرير القول بالإجماع في هذه المسألة ..
الأمر الثاني ..
باعتبار عدم صحة هذا الإجماع ..
وإذا قال لك من يأخذ بقول الإمام ابن حزم ..
لا إجماع من الصحابة على هذه المسألة ..
وإذا انتفى الإجماع .. حق الاجتهاد بما هو مقبول شرعاً ..
وبناء على أن أهل الظاهر لهم منهج يتخلف عن منهج أهل الرأي ..
فإنهم عندما رأوا هذه المسألة اختلفت أنظارهم ..
لذلك نقل الإمام ابن حزم عن الإمام داود بن علي الظاهري أن النساء لا يقبلن مع الرجل إلا في الأموال خاصة ..
إذاً ..
قد وجد الخلاف بين معشر الظاهريين المتقدمين والمتأخرين ..
والحافظ ابن المغلس الظاهري لا بد أن يكون رأيه من رأي الإمام ابن حزم ..
وذلك لأن الإمام ابن حزم له مختصر لكتاب الحافظ ابن المغلس وسماه مختصر الموضح ..
لذلك لم يذكره مع من ذكرهم ممن خالفه في هذه المسألة ..
وكذلك بقية أهل الظاهر إذ لم يشر إليهم وهي طريقته في ذكر أقوال أهل الظاهر في كتبه في ذكر المخالف منهم ..
فأقول بعد هذه المقدمة ..
إن الإمام ابن حزم ومن وافقه من الظاهريين قالوا بهذا الرأي بناء على ما يلي ..
أولا ..
لا يصح إجماع في هذه المسألة لذلك جاز الاجتهاد فيها ..
وكذلك ما روي عن عطاء يدفع ذلك الإجماع ..
وكذلك ما نقل عن الزهري: (مضت السنة من النبي صلى الله عليه وسلم ومن أبي بكر وعمر: أن لا تجوز شهادة النساء في الطلاق ولا في النكاح ولا في الحدود) ..
لأنه منقطع وجاء فيه رجلان ضعيفان ..
وليراجع المحلى مسألة 1787 ..
ثانيا ..
وإذا ثبت لدى أهل الظاهر أن لا إجماع فيحق لهم الإدلاء برأيهم كغيرهم من أئمة الدين ولا فرق ..
ثالثا ..
أن الظاهريين وغيرهم يرون أن الشهادة من باب البينة ..
وتلك البينة لا بد من معرفة أنواعها وتصحيحها بحسب ما دل الشرع عليه ..
وقد ثبت في الشرع أن الشهادة والإقرار واليمين في بعض الأحوال وغيرها من البينة ..
وثبت أيضاً أن هذه الشهادة لها أحوال ..
فمنها ما يكون في القصاص ومنها ما يكون في الجراح ..
ومنها ما يكون في الحدود ومنها ما يكون في الأموال ومنها ما يكون في غير ذلك ..
ومن الأحوال ما يطلب فيه شاهدين فقط ومنها ما يطلب فيه أكثر من ذلك ومنها ما يطلب فيه شاهد واحد ..
كل ذلك طلبه الشارع ولم تتفرضه عقول الظاهريين ..
فلما نظر أهل الظاهر إلى ما طلب فيه شاهدين لم يعمموا كل شيء وكل حكم ..
بل وقفوا عند ما طلب فيه أكثر من شاهدين كالزنى والقذف ..
ووقفوا أيضاً في الرضاع والهلال كذلك ..
إذاً ..
نظر أهل الظاهر إلى النصوص جملة في باب الشهادة ..
وعلموا ما طلبته هذه النصوص نصاً نصاً ..
فهناك من النصوص من طلب شاهدين ..
وهناك من طلب أكثر أو أقل ..
¥